في المفهوم، فمَنْ أخرج شيئًا من ذلك، احتاج إلى دليل، والله أعلم.
الثانية عشرة: للشافعي - رضي الله عنه - قولٌ قديم: أنَّ الماء الجاري لا يَنجُسُ إلا بالتغير، واختاره بعضُ أتباعه، والمذهبُ الَّذي عليه الجمهور: الفرقُ بين القليل والكثير، كما في الراكد، وأنَّ القليلَ يَنجُسُ بمجرد الملاقاة (١)، وهذا الحديث يُستدلُّ به للمذهب الأول - بعد القول بالعموم للمفهوم -؛ لتناوله حينئذٍ لهذه الصورة المذكورة، أعني: القليلَ الجاري، وحديثُ القلتين يقتضي الفرقَ بين القليل والكثير، ودلالته على نجاسة القليل بطريق المفهوم، ودلالة هذا الحديث - الَّذي نحن في شرحه - على جواز استعمال الجاري قليلًا أو كثيرًا بطريق المفهوم أيضًا، فالتعارضُ إذًا (٢) بين مفهومين.
فإذا قال أحدُ الخصمين: هذا العمومُ في الماء الجاري مخصوصٌ بالكثير؛ لحديث القلتين.
قال خصمُه: مفهوم حديث القلتين مخصوصٌ بالماء الراكد؛ لهذا الحديث.
والسببُ في ذلك: أنَّ كلَّ واحد من المفهومين - إذا قلنا بالعموم - عامٌّ من وجه [و](٣) خاصٌّ من وجه، فإنَّ مفهومَ حديثِ القلتين عامٌّ بالنسبة إلى الجاري والراكد، خاصٌّ في المقدار، وهذا الحديث عامٌّ
(١) انظر: "فتح العزيز في شرح الوجيز" للرافعي (١/ ٢٣١)، و"المجموع" للنووي (١/ ٢٠١). (٢) "ت": "أيضًا". (٣) زيادة من "ت".