الأمر بتقدير: ليكنْ الصومُ جنة [ما لم يخرقها؛ لأنه على هذا التقدير يرتفع الأمر بجعله جُنَّة](١) عند انحراقها، وليس كذلك؛ لأنه لو خرقها لاستمرَّ الأمرُ بعد ذلك بأن يُجعل جُنَّة، فلا بدَّ أن يكون خبراً؛ أعني:"جُنَّة ما لم يخرقها".
السادسة: يحتمل أن يكون خبراً عن أمر شرعي؛ أي: حكمه في الشرع أن يكون جُنَّة، وهذا غيرُ كونه بمعنى الأمر؛ لِما ذكرنا من الفرق بين الدلالة في أن يكون [بمعنى](٢) الأمر، والدلالة الالتزامية في أن يدلَّ على شيء يلزم منه الطلب، ولا شكَّ أن كونَ (٣) الشيء حكمَ الشرعُ أن يكونَ جُنَّةً يلزمُ (٤) منه الطلب، لا أنه موضوع للطلب.
السابعة: إذا حملناه على أنه جُنَّة من النار، ففيه وجهان:
أحدهما: أن يكون المراد به: يَمنع من دخول النار، ويُبعد عنها، وتَجَوَّز عن معنى المنع والإبعاد بالستر، ويقوِّي هذا الحديثُ الصحيح:"منْ صامَ يوماً في سبيلِ اللهِ باعدَ اللهُ وجهَهُ عن النارِ سبعينَ خريفاً"(٥).
وثانيهما: أن يكون كونُه جُنَّة من النار من باب ذبح الموت في
(١) سقط من "ت". (٢) زيادة من "ت". (٣) في الأصل: "يكون"، والمثبت من "ت". (٤) "ت": "وهذا يلزم". (٥) رواه البخاري (٢٦٨٥)، كتاب: الجهاد والسير، باب: فضل الصوم في سبيل الله، ومسلم (١١٥٣)، وكتاب: الصيام، باب: فضل الصيام في سبيل الله لمن يطيقه بلا ضرر ولا تفويت حق، من حديث أبي سعيد رضي الله عنه.