قال: قال القاضي أبو الفضل - يعني عياضاً -: وتأوَّل الجمهور الحديثَ على أنه منسوخٌ بإجماع عمل الناس، أو يكون المرادُ به الفريضةَ، ويكون موافقاً لقوله:"إِذَا اشتَدَّ الحرُّ، فأبْرِدُوا عن الصَّلاةِ، فَإِنَّ شِدَّةَ الحر من فَيْحِ جَهَنَّم"(١)، قال: وفي هذا نظر؛ وهو أنه لا يصح أن يكون هذا نسخاً على حقيقته، وإنما هو تخصيص، فإنه إخراج بعض ما يتناوله اللفظ الأول، لا رفعاً لكلّية ما تناوله، وأما قولهم: إن هذا في الفريضة فليس بصحيح لوجهين:
أحدهما: أن مقصودَ هذا الحديث: بيان الوقت الذي يجوز فيه النفل من الوقت الذي لا يجوز؛ كما قررناه آنفاً.
وثانيهما: حديث عقبة بن عامر المتقدم، فإنه قال فيه:"ثلاثُ سَاعات نهانا رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ نُصَلّيَ فِيهِنَّ"(٢)، وذكر هذا الوقت فيها، ومقصودُه قطعاً: بيانُ حكم النفل في هذه الأوقات، والظاهر حملُ النهي على منع النفل في هذه الأوقات الثلاثة، إلا في يوم الجمعة، جمعاً بين الأحاديث والإجماع المحكي (٣).
قلت: أما قوله: إنه لا يصح أن يكون نسخاً على حقيقته، فصحيح.
(١) رواه البخاري (٥١٠)، كتاب: مواقيت الصلاة، باب: الإبراد بالظهر في شدة الحر، ومسلم (٦١٥)، كتاب: المساجد ومواضع الصلاة، باب: استحباب الإبراد بالظهر في شدة الحر، من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -. وانظر: "إكمال المعلم" للقاضي عياض (٣/ ٢١٠). (٢) تقدم تخريجه. (٣) انظر: "المفهم" للقرطبي (٢/ ٤٦٢ - ٤٦٣).