دَحضٌ مَزِلةٌ، ومما ينبغي أنْ يُفرَّقَ بهِ بينهُما: أنَّ كُلَّ ما رَجَعَ إلى (١) الأصولِ الشرعيةِ فليسَ بوسواسٍ، ولا أُريدُ الأدلةَ الشرعيةَ البعيدةَ العمومِ.
وقد روي أنَّ مالِكاً - رحمهُ اللهُ - رجَعَ إلَى الأمرِ بالتخليلِ في الأصابعِ من جِهةِ أحمدَ بنِ عبدِ الرحمنِ بنِ وهبٍ قالَ: سمعتُ عمِّي يقولُ: سُئِلَ مالكُ بنُ أنسٍ عن تخليلِ أصابعِ الرجلينِ في الوضوءِ فقالَ: ليسَ ذلكَ علَى الناسِ، فأمهلتُهُ حتَّى خَفَّ الناسُ، ثمَّ قُلتُ لهُ: يا أبا عبدِ الله! سمعتُكَ تُفتي في مسألةٍ عندنا فيها سُنَّةٌ، قالَ: وما هي؟ قُلتُ: ثنا ابنُ لهيعةَ وليثُ بنُ سعدٍ، عن يزيدَ بنِ عمرو المعافِريِّ، عن أبي عبدِ الرحمنِ الحُبُليِّ، عن المُستوْرِد (٢) بنِ شدادٍ القُرَشِيِّ قالَ: "رأيتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يتوضَّأُ، فيُخلِّلُ بخِنْصِرِه ما بينَ أصابعِ رِجليهِ"، قالَ: فقالَ [مالك]، (٣): إنَّ هذا الحديثَ حسن، وما سمعتُ بهِ قطُّ إلا الساعةَ، قالَ عَمي: ثمَّ سمعتُهُ بعدُ يسألُ عن تخليلِ الأصابعِ في الوضوءِ فيأمرُ بهِ (٤).
وابنُ القطَّانِ قد صحَّحَ الإسنادَ، وذكرَ أنَّ أبا محمدٍ بنَ أبي حاتمٍ
(١) في الأصل: "في"، والمثبت من "ت". (٢) في الأصل: "المسور"، والمثبت من "ت". (٣) زيادة من "ت". (٤) رواه ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل" (١/ ٣١)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (١/ ٧٦). وانظر: "التمهيد" لابن عبد البر (٢٤/ ٢٥٩).