قلت: قد ذكر هذا المعنى القاضي أبو الوليد الباجي في "المُنتقَى في شرح الموطَّا"(١)، غير أن [هذا](٢) الشارح قد قدم عن الشافعي - رحمه الله - أنه قال: لو كان واجبًا لأمرهم به؛ شقَّ، أو لم يشق (٣).
وهذا الكلام يدلُّ على عدم الاجتهاد، وتعيُّن الحكم بالنص؛ لأنَّ الحديث دل على أن المشقة مانعةٌ (٤) من الأمر؛ أعني: أمره - صلى الله عليه وسلم -، فعلى تقدير تعيين الحكم بالنص لا تكون المشقة مانعة من أمره - صلى الله عليه وسلم -؛ لأنَّه لو وجب بالنص لأمرَ؛ شقَّ أو لم يشقَّ؛ [كما](٥) قال الشافعي - رحمه الله تعالى -، فيكون المانعُ من أمره - صلى الله عليه وسلم - عدمَ ورود النص بالوجوب، لا المشقة.
وعلي تقدير جواز الاجتهاد صحَّ أن تكون المشقةُ مانعة من الأمر؛ [لأن الاجتهاد إذا اقتضى أن تكون المشقة مانعة من الوجوب اقتضى ذلك عدمَ الأمر، فتكون المشقة مانعة من الأمر](٦)، فمن لوازم كونِ المشقة مانعةً أن يكون الاجتهاد جائزًا، وهذا الملزوم ثابت بالحديث، فثبت جواز الاجتهاد (٧).
(١) انظر "المنتقى" له (١/ ١٣٠). (٢) زيادة من "ت". (٣) وهو كذلك في "الأم" (١/ ٢٣). (٤) "ت": "هي المانعة". (٥) سقط من "ت". (٦) زيادة من "ت". (٧) قال الحافظ في "الفتح" (٢/ ٣٧٦): وهو كما قال.