وقولُه:(فَقامَ بفأسٍ) دُعاءٌ منه عليها، وقد عِيبَ عليه لأنّه كانَ يَنْبغي [له] أنْ يَنظُرَ لها مع استَغْنائِه عنها.
وأَدخَلَ الفاءَ على الفِعلِ الماضي لأنّه دُعاءٌ كما تقول: إنْ أعطيتَني فَجَزاكَ اللهُ خَيرًا، ولو كانَ خَبَرًا لم تَدْخُل عليه الفاءُ، والوِصْلُ بالكَسْرِ: واحِدُ الأوصالِ.
وأنشد في بابٍ ترجَمَتُه: هذا بابُ ما يَجْرِي ممّا يكونُ ظَرْفًا هذا المجرى، لأبي النجم (١٩٨):
[٦٩] قد أَصبَحَتْ أُمًّ الخِيارِ تَدَّعي
عَلَيَّ ذَنْبًا كُلُّهُ لم أَصْنَعِ
استشهد به على رَفْعِ (كُلٍّ) مع حَذْفِ الضَميرِ منَ الفِعلِ، وجَعَلَه في الجَوازِ (١٩٩) مِثلَ زَيدٌ ضَرَبْتُ وقال: (وهو بمنزلَتِهِ في غيرِ الشِعرِ لأنّ النَصبَ لا يَكْسِرُ الشِعْرَ)(٢٠٠)، يريد أنّه لّو قالَ:(كُلَّهُ لم أصنَعِ)، لأجراه على ما يَنْبغي ولم يَحْتَجْ إلى الرَفْع مع حَذْفِ الضَمير.
والقَولُ عندي إنّ الرَفْعَ هُنا أَقوى منه في قولك: زَيدٌ ضَرَبْتُ وألْزَمُ، لأنّ (كُلًّا) لا يَحْسُنُ حَمْلُها على الفِعلِ لأنّ أصْلَها أنْ تأتيَ تابِعَةً للاسمِ مؤكِّدَةً كقولك: ضَرَبْتُ القَومَ كُلَّهم، أو مبتَدَأةً بعد كلامٍ كقولك: إنَّ القَومَ كُلُّهُم ذاهِبٌ، فإنْ قلتَ: ضَرَبْتُ كُلَّ (٢٠١) القومِ وبَنَيْتَها على الفِعلِ قَبْحَتْ لخروجها عن الأصلِ، فإنْ كان الأمرُ كذلك فينبغي أنْ يكونَ قولُه:(كُلُّهُ لم أَصْنَعِ) وإنْ كانَ قد حَذَفَ الهاءَ أقوى من قوله: (كُلَّه) بالنصب، وتكونُ الضَرورةُ فيه حَذْفَ الهاءِ لا رَفْعَ (كُلّ)، وكذلك ما يجري مَجْراه.
(١٩٨) الرجز له في: الكتاب ١/ ٤٤، مجاز القرآن ٢/ ٨٤، المحتسب ١/ ٢١١، النعت ٢١٩، الخزانة ١/ ١٧٣، وبلا عزو في: المقضب ٤/ ٢٥٣، الخصائص ٢/ ٦١، أمالي الشجري ١/ ٨، وأبو النجم هو الفضل بن قدامة العجلي، شاعر إسلامي. (الشعر والشعراء: ٦٠٣، الأغاني ١٠/ ١٥٧، معجم الشعراء: ١٨٠، الخزانة ١/ ٤٨). (١٩٩) في ط: الجواب، وهو تصحيف. (٢٠٠) الكتاب ١/ ٤٤، وفيه: لا يكسرُ البَيتَ. (٢٠١) في ط: كُلًّا.