وكانَ قد أقسَمَ ألّا يَطْعَمَ المُتَلَمِّسُ حَبُّ العراقِ لمّا خافَهُ على نَفْسِه وفَرَّ إلى الشام ومَدَحَ مُلوكَها، فقال له المتلَمِّسُ مستَهْزِئًا: آليْتَ على حَبِّ العِراقِ لا أَطعَمُهُ، وقد أَمكنَني منهُ بالشامِ ما يُغْنِي عَمّا عندك، وأشارَ إلى كثرةِ ما هناك منه بما ذَكَر مِن أَكْلِ السُوسِ له، وأرادَ بالقريةِ الشامَ، وبالحَبِّ البُرَّ.
وأنشد في الباب للفرزدق (٧٣):
[٢٤] مِنّا الذي اختِيرَ الرِجالَ سَمَاحَةً … وجُودًا إذا هَبَّ الرِياحُ الزَعازعُ
أرادَ اختِيرَ منَ الرِجالِ، فحَذَفَ وعَدّى على ما تَقَدّمَ.
أرادَ نُبِّئتُ عن عبدِ اللهِ على مذهَبِ سيبويه لأنّ نُبِّئْتُ بمعني خُبِّرْتُ، وخُبِّرْتُ يَتَعدّى بـ (عَنْ) ولا يُسْتَغنى عنها إلّا أنْ تُحْذَفَ اتِّساعًا.
وقد خُولِفَ (٧٥) سيبويه في هذا وجُعِلَ تَعَدِّي (نُبِّئْتُ)[بذاتها] كتَعَدّي (أُعْلِمْتُ)، لأنّها قد خَرجَتْ إلى معناها وإنْ كانَ أصلُها الخَبَرَ، وكلا المذهبينِ
(٧٢) ديوان شعره: ٩٧، وعجزه: ولا دِمَشْقُ إذا دِيسَ الكَداديسُ (٧٣) الكتاب ١/ ١٨، شرح ديوانه ٥١٦، وروايتُه فيه: وخَيرًا إذا هَبَّ. (٧٤) البيتُ للفرزدق في: الكتاب ١/ ١٨، النكت ١٧٣، وقد أخَلّ به شرح ديوانه، وهو بلا عزو في الإفصاح ٢٨٧. (٧٥) الذي خالَفَ سيبويه هو المبرد. ينظر: الانتصار ٧.