الأولى معهم، و لأن وجوب الترتيب منعه من العشاء، وإن استعجل لخفة قلق وعدم سكينة.
قلت: في الجمع بين الصلاتين لفضيلة الجماعة إشكال كبير، فإن إيقاع الصلاة في وقتها واجب، والجماعة سنة مندوبة، والقاعدة: تقديم الواجب على المندوب عند التعارض، وهاهنا الضرورة تندفع بتعجيل العشاء، أو بترك الجماعة؛ بأن يصلوا العشاء في بيوتهم أفذاذاً، فكانت هذه المسألة على خلاف هذه القاعدة، وعلى خلاف قوله ﵇: ﴿ما تقرب إليَّ أحد بمثل أداء ما افترضت عليه﴾، ولا يزال يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبه، الحديث الصحيح في مسلم وغيره (١).
فكيف عدل عن التقرب بالصلاة في وقتها إلى فضيلة الجماعة؟
وجوابه: أنا حيث قدمنا الواجب على المندوب هو إذا كانت مصلحة الواجب تربو على مصلحة المندوب، وقد تكون مصلحة المندوب في بعض الصور تزيد على مصلحة الواجب؛ فيقدم المندوب على الواجب، كإنظار المعسر واجب، وإبراؤه من الدين مندوب، وهو مقدم على الإنظار؛ لأن مصلحته أعظم، ووصف صلاة الجماعة جعل له الشارع خمسة وعشرين جزءاً، ولصلاة الفذ جزءاً واحداً، وهي واجبة، والصلاة في الحرمين بألف صلاة؛ وهو مندوب، وأصل الصلاة جزء من هذه المئوية بألف، وكذلك في بيت المقدس بخمس مائة صلاة، وروي: صلاة بسواك خير من سبعين صلاة بغير سواك، وهذه الأوصاف كلها مندوبة؛ وقد فضلت الواجب، فحيث وجدنا الشرع قدم مندوباً على واجب؛ قلنا مصلحته عند الله تعالى أكثر من مصلحة الواجب، غير أنه لم يوجبه لطفاً