بيان صور الجلوس في حلقة العلم، والحاصل: أن الجلوس في الحلقة فضل من الجلوس في خارجها، وما ذكر في الحديث قوله:"وأما الآخر فاستحيا"، ذكر الشرَّاح له معنيين: الأول: أنه لم يرد الجلوس ولكنه جلس حياءً، وبعض الروايات تؤيد هذا المعنى، والثاني: أنه استحيا من أهل المجلس فلم يزاحمهم وجلس خلفهم، فعُلم أن الصورة الأولى - أي: الجلوس في داخل الحلقة - أفضل وأحسن من هاتين الصورتين، انتهى.
قوله:(فرأى فرجة في الحلقة) فيه فضل سد الخلل كما في الصفوف، وجواز التخطي لسد الخلل، من "الفتح"(١).
(٩ - باب رُبَّ مبلِّغ أوعى له من سامع)
وغرض المصنف عندي ترغيب أخذ العلم ولو من دونه، وفي مقدمة "الأوجز"(٢) في رباعيات البخاري: لا يكون الرجل محدثًا كاملًا إلا بعد أن يكتب أربعًا مع أربع، إلى أن قال: يأخذ عمَّن هو فوقه، وعمَّن هو مثله، وعمَّن هو دونه، وعن كتاب أبيه، إلى آخر ما فيه، وأيضًا فيه تفسير لقوله تعالى:{وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ}[يوسف: ٧٦]، وتنبيه على رفع درجات العلماء.
وفي "العيني"(٣): قال القطب: أراد بها المصنف الاستدلالَ على جواز الحمل على من ليس بفقيه إذا ضبط ما يحدِّث، انتهى.
وكتب الشيخ في "اللامع"(٤): دفع بذلك ما اشتهر أن التلميذ يكون أقل علمًا من شيخه، انتهى.
وفي "تراجم شيخ الهند" ما تعريبه: إن "أوعى" له معنيان: أحفظ وأفهم، ففي التبليغ فائدتان كما في عدمه مضرتان.