ثم قال الحافظ: قال الطبري: ذهبت طائفة إلى جواز الكذب لقصد الإصلاح، وقالوا: إن الثلاث المذكورة كالمثال، وقالوا: الكذب المذموم إِنما هو في ما فيه مضرة، أو ما ليس فيه مصلحة، وقال آخرون: لا يجوز الكذب في شيء مطلقًا، وحملوا الكذب المراد هنا على التورية والتعريض كمن يقول للظالم: دعوت لك أمس، وهو يريد قوله: اللهم اغفر للمسلمين، ويعد امرأته بعطية شيء، ويريد إن قدر الله ذلك.
قال الحافظ: وبالأول جزم الخطابي (١) وغيره، وبالثاني جزم المهلب والأصيلي وغيرهما، واتفقوا على جواز الكذب عند الاضطرار، انتهى.
وفي "الفيض"(٢): واعلم أن الكذب جائز في بعض الأحوال عند الشافعية، أما الحنفية فلا أراهم يجوِّزونه صراحة في موضع، نعم وسَّعوا بالكنايات والمعاريض وأمثالها، وراجع له كلام الغزالي - رحمه الله -، انتهى.
[(٣ - باب قول الإمام لأصحابه: اذهبوا بنا نصلح)]
حديث الباب ظاهر فيما ترجم له، انتهى من "الفتح"(٣).
وكتب الشيخ في "اللامع"(٤): يعني: بذلك أن الإمام وإن كان له التعزير والتأديب إلا أن له أن يصالح بينهما وهذا أولى، انتهى.
وما أفاده الشيخ قُدِّس سرُّه واضح لكن الأوجه عند هذا العبد الضعيف: أن ما أفاده الشيخ يناسب ما سيأتي بعد عدة أبواب من "باب هل يشير الإمام بالصلح" وسيأتي هناك اختلاف العلماء في ذلك.
والأوجه عندي في هذا الباب الذي نحن بصدده: دفع ما يتوهم من ظاهر موقف الإمام والقاضي كما هو الظاهر من فروع الفقهاء أن حق الأمير والقاضي هو المخاصمة إليه والترافع إليه في مجلسه، فقد قال ابن عابدين عن