قال الحافظ (١): حكى ابن بطال (٢) عن المهلب: أن الحكمة في ترك سقيهم كفرهم نعمة السقي التي أنعشتهم من المرض الذي كان بهم، قال: وفيه وجه آخر يؤخذ مما أخرجه ابن وهب من مرسل سعيد بن المسيب: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لما بلغه ما صنعوا:"عطش الله من عطش آل محمد الليلة" قال: فكان ترك سقيهم إجابةً لدعوته - صلى الله عليه وسلم -.
قلت: وهذا لا ينافي أنه عاقبهم بذلك، كما ثبت أنه سملهم لكونهم سملوا أعين الرعاة، وأبعد من قال: إن ترك سقيهم لم يكن بعلم النبي - صلى الله عليه وسلم -، انتهى.
وفي هامش أبي داود عن "فتح الودود" للعلامة السندي: قوله: "يستسقون فلا يسقون. . ." إلخ، قيل: ما أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بذلك، وإنما فعل الصحابة من عند أنفسهم للإجماع على أن من وجب عليه القتل لا يمنع الماء إن طلب، وقيل: فعل ذلك قصاصًا لأنهم فعلوا بالراعي مثل ذلك، وقيل: بل لشدة جنايتهم كما يشير إليه كلام أبي قتادة، والله تعالى أعلم، انتهى.
[(١٨ - باب سمر النبي - صلى الله عليه وسلم - أعين المحاربين)]
قال الحافظ (٣): قوله: "سمر أعينهم" وقع في رواية الأوزاعي في أول المحاربين: "وسمل" باللام وهما بمعنى، قال ابن التِّين وغيره: وفيه نظر، قال عياض: سمر العين بالتخفيف: كحلها بالمسمار المحمي، فيطابق السمل، فإنه فسر بأن يدني من العين حديدة محماة حتى يذهب نظرها، فيطابق الأول بأن تكون الحديدة مسمارًا، قال: وضبطناه بالتشديد في بعض