النوع الآخر أيهما كان، أو يقال: إن قصة أم عطية متقدمة، لكنها كانت حرة، فوجد الإشكال في قصة بريرة لكونها مولاة لعائشة، ومال العبد مال لمولاه، أو يقال: إن قصة بريرة متقدمة إلا أن في قصة بريرة كان المتصدق غير النبي - صلى الله عليه وسلم -، بخلاف قصة أم عطية، فإن المتصدق فيها هو النبي - صلى الله عليه وسلم -، ففيها نوع رجوع في الصدقة، فافهم، وهذا الأخير أوجه الأجوبة عندي.
[(٨ - باب من أهدى إلى صاحبه، وتحرى بعض نسائه)]
يقال: تحرى الشيء إذا قصده دون غيره، قاله الحافظ (١).
وكتب الشيخ في "اللامع"(٢): يعني بذلك: أن فعل هؤلاء لا يضر بالعدل الواجب على الزوج لأنهم لم يؤمروا بذلك ولو رضي الزوج بفعلهم ذلك وصنيعهم هذا كان غير مؤاخذ عليه أيضًا لأنهما فعلان قلبيان، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "اللَّهم هذا قسمي فيما أملك فلا تؤاخذني فيما تملك ولا أملك"، انتهى.
وفي هامشه: قال الكرماني في الحديث: إنه ليس على الرجل حرج في إيثار بعض نسائه بالتحف من المآكل، وإنما يلزمه العدل في المبيت وإقامة النفقة والكسوة، انتهى.
قال الحافظ (٣): وتعقبه ابن المنيِّر بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يفعل ذلك وإنما فعله الذين أهدوا له وهم باختيارهم في ذلك، وإنما لم يمنعهم النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ لأنه ليس من كمال الأخلاق أن يتعرض الرجل إلى الناس بمثل ذلك لما فيه من التعرض بطلب الهدية، مع أن الذي يظهر أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يشركهن في ذلك، وإنما وقعت المنافسة لكون العطية تصل إليهن من بيت عائشة، وفيه قصد الناس بالهدايا أوقات المسرة ومواضعها ليزيد ذلك في سرور المهدي إليه، انتهى.