فيه على الاستعارة من الغير تحرّزًا عن الإسراف المذموم، ولا يبعد أيضًا أن يقال نظرًا إلى تراجم الإمام البخاري فإنه ترجم لهذا المعنى في ثلاثة مواضع، كما تقدم: أنه أشار إلى استحسان الاستعارة في تلك المواضع اتباعًا لهؤلاء السلف، وأوضحت هذا المعنى في رسالة "آب بيتي"(١) باللغة الأردوية.
[(٣٥ - باب فضل المنيحة)]
حذف "باب" من رواية أبي ذر، و"المنيحة" بالنون والمهملة وزن عظيمة، هي في الأصل العطية، قال أبو عبيدة: المنيحة عند العرب على وجهين:
أحدهما: أن يعطي الرجل صاحبه صلة فتكون له
والآخر: أن يعطيه ناقة أو شاة ينتفع بحلبها ووبرها زمنًا ثم يردها.
والمراد بها في أول أحاديث الباب هنا عارية ذوات الألبان ليؤخذ لبنها ثم ترد هي لصاحبها، وقال القزاز: قيل: لا تكون المنيحة إلا ناقة أو شاة، والأول أعرف، انتهى من "الفتح"(٢).
[(٣٦ - باب إذا قال: أخدمتك هذه الجارية. . .) إلخ]
قال القسطلاني (٣): (على ما يتعارف الناس) أي: على عرفهم في صدور هذا القول منهم أو على عرفهم في كون الإخدام هبة أو عارية. (وقال بعض الناس): قال الكرماني: قيل: أراد به الحنفية. (هذه عارية) قال الحنفية: لأنه صريح في إعارة الاستخدام، وقال الكرماني أيضًا: قوله: (وإن قال: كسوتك. . .) إلخ، يحتمل أن تكون من تتمة قول الحنفية، ومقصود المؤلف منه أنهم تحكموا حيث قالوا: ذلك عارية وهذا هبة، ويحتمل أن يكون عطفًا على الترجمة.