فسره بالمعنى الآخر، وهذا عجيب، فما المانع أن يكون له في الشيء، قولان بل أكثر.
وقال ابن التِّين: لعلّ ابن عباس قرأها، "آتينا" بالمد ففسّرها على ذلك، قلت: وقد صرَّح أهل العلم بالقراءة أنها قراءته، وبها قرأ صاحباه مجاهد وسعيد بن جبير، وقال السهيلي في أماليه: قيل: إن البخاري وقع له في آي من القرآن وهم، فإن كان هذا منها وإلا فهي قراءة بلغته، ووجهه: أعطيا الطاعة، كما يقال: فلان يعطي الطاعة لفلان، قال: وقد قرئ {ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لَآتَوْهَا}[الأحزاب: ١٤] بالمد والقصر، والفتنة ضد الطاعة، وإذا جاز في إحداهما جاز في الأخرى، انتهى.
وقال القسطلاني (١): بعد ذكر الإشكال: وأجيب بأن ابن عباس ومجاهدًا وابن جبير قرءوا آتيا قالتا آتينا بالمد فيهما، وفيه وجهان:
أحدهما: أنه من المواتاة وهي الموافقة، أي: لتوافق كل منكما الأخرى كما يليق بها، وإليه ذهب الرازي والزمخشري، فوزن آتيا فاعلا كقاتلا وآتينا فاعلنا كقاتلنا.
والثاني: أنه من الإيتاء بمعنى الإعطاء، فوزن آتيا أفعلا كأكرما، ووزن آتينا افعلنا كأكرمنا، فعلى الأول يكون قد حذف مفعولًا، وعلى الثاني مفعولين إذ التقدير: أعطيا الطاعة من أنفسكما من أمركما، قالتا: آتينا الطاعة، انتهى.
وكتب الشيخ قُدِّس سرُّه في "اللامع"(٢): قوله: "ائتيا أعطيا" فسره به لأنهما لم يكونا موجودين حين أمرا ذلك، فلا يصح إرادة الإتيان منهما نعم طلب منهما الوجود والتكون فأعطياه وسارا موجودين، انتهى.
وفي هامشه: أجاد الشيخ قُدِّس سرُّه في وجه تفسير الإتيان بالإعطاء، وعلى هذا لا يرد ما أورده الشرَّاح، ثم ذكر ما تقدم من كلام الشرَّاح وغيره من كلام المفسرين.