معنى قراءة التوحيد والجمع واحدٌ، لأنَّ لفظ الواحد في الجنس مثل الجمع في الدلالة على الكثرة، ولَمَّا كانت الذرية قد تقع على الواحد كقوله:{هَبْ لي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيةً طَيِّبَة}(١) وإنما سأل ولداً، كما قال:{هَبْ لي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيَّاً}(٢) جاءت القراءة الأخرى بلفظ الجمع مُنَبِّهَةً أنَّ المراد بقراءة التوحيد الجنس كما قال: {مِنْ ذُرِّيَّةِ آدم}(٣)، وكما قال:{وكُنَّا ذُرِّيَّة مِنْ بَعْدِهم}(٤).
قال المتكلمون (٥): ومعنى أخذ الذرية من الظهور: إخراجهم من الأصلاب شيئاً بعد شيءٍ، وأشهدهم على أنفسهم، لأنه ركَّب فيهم العقْل، ونصبَ الدلائل الدَّالة على ربوبيته، فكأنه يقول: ألست بربكم قالوا: بلى، لأنَّ العَقْلَ عند تدبره ونظره في الدلائل كالناطق المقرِّ بالربوبية، قطع بذلك عُذْرَهم لئلا يقولوا يوم القيامة: إنا كنا عن هذا غافلين، على تقدير ألاّ دلالة ولا إمارة.
وأصحابنا يقولون: إنه خاطبهم بذلك في الأصلاب؛ ووزن ذرية إن قلنا:/ إنه من ذرأ الله الخلق، وإنَّ أصلها ذريئة بالهمز، فأُلزمت همزتها التخفيف فُعِّيْلة، فيكون ذلك حجةً لقوله: كوكب دُرّيء؛ إذ قال أبوعبيدة
(١) الآية ٣٨ من سورة آل عمران. (٢) الآية ٥ من سورة مريم. (٣) الآية ٥٨ من سورة مريم. (٤) الآية ١٧٣ من سورة الأعراف. (٥) انظر: تفسير الطبري ١٢/ ٢٢٧.