وإن جعلته من غني بمعنى أقام، فمعناه: أن الواهب زائدٌ في دوام هبته، ويدلُّها على الاستمرار من غير انقطاع.
وإن قلت: بناه مِنْ أغنى الرباعي، فمعناه: أكفى من كل كافٍ؛ ولك أن تنصب واهباً متفضلاً على الحال، وتقدر المعاني المتقدمة من الغنى والإقامة والكفاية في حال هبته وتفضله.
كلُّ قول مكررٍ مملول إلا القرآن فإنه كلما كُرِّر حلا فهو خير جليس، و «لا يملُّ حديثه» في موضع الصفة للجليس، ولك أن تجعلها إضافةَ تخصيص لا تفضيل مع إثبات التفضيل في ذلك كله للقرآن فيكون «لا يمل حديثه» على هذا صفةً له.
في الحديث:«مثلُ صاحبِ القُرْآَنِ مَثَلُ جرابٍ مملوءٍ مِسْكَاً يَفوحُ به كلَّ مَكَانٍ»(٢)؛ فأي جليسٍ أفضل منه.
وعن عليٍ الأزدي قال: أردت الجهاد، فقال لي ابن عباس: ألا أدلك على ما هو خيرٌ لك من الجهاد؛ تأتي مسجداً فتقرأ فيه القرآن وتُعلِّم فيه الفقه.
وفي الحديث:«يقولُ اللهُ تعالى: إِني أهمُّ بعذاب عبادي فأنظر إلى عمَّارِ المساجد، وجُلساءِ القرآنِ، وولدانِ الإسْلامِ فَيَسْكُنُ غَضَبي»(٣).
(١) لم أقف عليه. (٢) سنن ابن ماجه ١/ ٧٨ برقم (٢١٧). (٣) رواه البيهقي عن أنس بن مالك بلفظ فأنظر إلى عمار بيوتي والمستغفرين بالأسحار. الإتحافات السنية ص/ ٥٥