وعلى الجملة فمثل هذا يجوز فيه التذكير والتأنيث كما قال:{فَقَدْ جَاءَتْكُم بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ}(١)، و {جَاءَتْهُم البَيِّنَة}(٢) ومثله في القرآن كثير.
وقوله:«وعدنا جميعاً» يعني هنا وفي الأعراف وطه (٣)، وإنما قال:«حلا» لأنَّ جماعة من الحذَّاق اختاروا هذه القراءة لموافقة اللفظ المعني، لأنَّ المعنى: إنَّ الله تعالى وعَدَ موسى، فهو منفرِدٌ بالوعد، والمفاعلة انما تكون بين الآدميين إذا كانت من اثنين.
ومَنْ قرأ {واعَدْنَا} بألفٍ جعله بمعنى وعدنا، لأنَّ المفاعلة قد تكون من واحد حيث يمكن أن تقع من اثنين، كقولهم: عاقبت زيداً أو جازيته. فحيث لايقع من اثنين أولى، وهو مثل قوله:{فَحَاسَبْنَاهَا}(٤).
وقد قيل: إنَّ ترقُّبَ موسى للميقات ومراعاته المصيرَ إليه قام مقام المواعدة، فيكون من اثنين، واختار هذه القراءة: الطبري، وأبوطاهر، ومكيٌّ (٥)، وأشار شيخنا إلى الأولى واختارها أبو عبيد.
اعلمْ أنَّ مِنْ النحويين مَنْ أنكر الإسكان في هذه القراءة، واحتج بأنها حركة إعراب فلا يجوز إسكانها. قال سيبويه (٦): لم يكن أبو عمروٍ يُسَكِّن شيئاً من هذا، وإنما كان يختلس فيظن من سمعه أنه أسكن.
وقد ثبت الإسكان عن أبي عمروٍ والاختلاس معاً، ووجه الإسكان: أنَّ
(١) الآية ١٥٣ من سورة الأنعام. (٢) الآية ٤ من سورة البينة. (٣) الآية (٥١) البقرة، والآية (١٤٢) الأعراف، والآية (٨٠) طه. (٤) الآية ٨ من سورة الطلاق. (٥) جامع البيان ١/ ٢٧٩، الكشف عن وجوه القراءات السبع ١/ ٢٣٩. (٦) الكتاب ٢/ ٢٠٢.