وكان نافع رحمه الله ورعاً ناسكاً، إماماً في القراءة، قال/ الليث بن سعد رحمه الله: قدمت المدينة سنة مائة فوجدت رأس الناس في القراءة نافعاً. وقال مالك رحمه الله: قراءة نافع سنة.
وكان نافع إذا تكلم يوجد مِنْ فيه رائحة المسك، فقال له بعض أصحابه: تتطيب كلما قعدت تقرأ الناس؟.
فقال: ما أمسُّ طيباً، ولكني رأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- في المنام وهو يقرأ في فيَّ فَمِنْ ذلك الوقت يُشمُّ مِنْ فيَّ هذه الرائحة.
وبدأ بنافعٍ تفضلاً له علماً ومحلاً، وبه بدأ ابن مجاهد رحمه الله، وقال: إنما أبدأ بقارئ المدينة لأنها مهاجر رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ومعدن الأكابر، ومن أصحابه وبما حفظ عنه الآخر من أمره.
هو أبو موسى عيسى بن مينا، ويلقب بقالون، وهو ربيب نافع وعليه قرأ، ويقال: إنه الذي لقبه به لجودة قراءته.
وقالون في الرومية: جيد، [ومات بالمدينة قريباً من عشرين ومائتين](١)، وأبو سعيد عثمان بن سعيد «ورش»، ويقال في كنيته: أبو عمرو، وأبو القاسم، مصري.
أخذ القراءة عن نافع، ومات بمصر سنة سبعٍ وتسعين ومائة ولُقِّب ورشاً لشدة بياضه، والورش ضربٌ من الجبن، و «تأثلا» أي: جمعاً، وتأثلت الشيء: جمعته، وتأصلته.
وفي الحديث:«يأكل ولي اليتيم من ماله غيرَ متأثِّلٍ مالاً»(٢).
(١) مابين المعقوفتين سقط من (ع). (٢) أخرجه مسلم في صحيحه/ باب الوصية ١١/ ٨٦، وابن ماجه/ كتاب الوصايا برقم ٢٧١٨، ومعنى غيرمتأثل: غيرمتمولٍ ولامتخذ منه أصل مالٍ للتجارة.