المبحث العاشر: دراسة وجوه الكلمات القرآنية الواردة على حرف الميم. وفيه مطلبان.
[المطلب الأول: دراسة وجوه كلمة المدينة]
[باب المدينة]
قال ابن الجوزي:
«المدينة: على " فعيلة " والجمع: مدن. قال قطرب (١): هي من دان، أي أطاع.
وقال ابن فارس: قال قوم: المدينة من الدين (٢). والدين: الطاعة وإنما سميت مدينة لأنها تقام فيها طاعة واليها، وقال آخرون سميت مدينة لأنها دين أهلها. أي: ملكوا. يقال: دان فلان بني فلان، أي: ملكهم. وفلان في دين فلان. أي: في طاعته. قال النابغة:
بعثت على البرية خير راعٍ ... فأنت إمامها والناس دين (٣)
ويقال: دين فلان أمره، أي ملكه. ويقول الفقهاء في الحالف: يديَّن، أي يملك أمره فيقال: أنت أعلم بما أردت فانظر فيما بينك وبين ربك، وقال الحطيئة:
لقد دُيِّنْتِ أمرَ بَنِيْكِ حتّى ... تَرَكْتِهِمُ أدَقَّ من الطَحِينِ (٤)
ويقال للأمة: المدينة، لأنها مملوكة مذللة، قال الأخطل:
رَبَتْ وَرَبَا في حِجْرِها ابنُ مدينةٍ ... يظل على مِسحاتِهِ يَتركَّلُ (٥)
يريد ابن أمة (٦).
وذكر بعض المفسرين أنها في القرآن على خمسة أوجه:
(١) أبو على واسمه محمد بن المستنير البصري اللغوي كان من أئمة عصره صنف معاني القرآن، وكتاب الإشتقاق وكتاب القوافي توفي سنة ٢٠٦. (وفيات الأعيان ٤/ ٣١٢. شذرات الذهب ١/ ٥١). (٢) عزاه المحقق إلى المقاييس وهو خطأ، والصحيح أنه في المجمل ٣/ ٨٢٦، ولم يصرح ابن فارس بهذا النص؛ بل قال: «وناس يجعلون الميم زائدة». (٣) ديوانه ص ٢٦٥. (٤) ديوانه ص ٩٢، ومعناه: أي ملكت ويقال دانه إذا أذلة واستعبده. (٥) ديوانه ص ١٥٢، ومعناه: أراد ابن أمة مملوكة وهو عبد يخدم الكرم. والأخطل: غياث بن غوث بن الصلت بن طارقة ابن عمرو، من بني تغلب، أبو مالك: شاعر، مصقول الألفاظ، وتهاجى مع جرير والفرزدق، فتناقل الرواة شعره. وكان معجباً بأدبه، تيّاهاً، كثير العناية بشعره، مات سنة ٩٠ هـ (طبقات فحول الشعراء ٢/ ٤٥١. الشعر والشعراء ١/ ٤٧٢). (٦) وللاستزادة من اللغة ينظر: العين ٩٠١، ومقاييس اللغة ص ٩٤٢، واللسان (مدن).