أن ذكر الأفواه هنا مع إرادة اللسان من باب إطلاق الكل وإرادة الجزء، وهو أسلوب قرآني؛ كقوله تعالى:{جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ}[نوح: ٧] والمراد جزء من الأصابع.
ويتبين مما تقدم صحة هذا الوجه في معنى الآية، ومأخذه السياق القرآني، ويجوز أن يكون مأخذه إطلاق الكل وإرادة الجزء.
الوجه الثالث: الكلام.
ومثل له ابن الجوزي بقوله تعالى:{يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ}[الصف: ٨].
ولم أقف على من خصص الأفواه هنا بالكلام، والظاهر دخوله في الذي قبله لكون اللسان من لوازم الكلام؛ وقال باللسان تفسيرا لهذه الآية من السلف: ابن جريج (٢)، ومن المفسرين: مقاتل ابن سليمان (٣).
[نتيجة الدراسة]
[تحصل من تلك الدراسة صحة وجهين وهما]
الوجه الأول: الأفواه المعروفه التي واحدها فم. ودل عليه قوله تعالى:{فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ}[إبراهيم: ٩]، ومأخذه المعنى المشهور للفظ في اللغة؛ كما قال الخليل.
الوجه الثاني: الألسن. ودل عليه قوله تعالى:{يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ}[آل عمران: ١٦٧]، ومأخذه السياق القرآني، ويجوز أن يكون مأخذ إطلاق الكل وإرادة الجزء.
وأما الوجه الذي هو: الكلام. ففي قوله تعالى:{يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ}[الصف: ٨] تقدم أنني لم أقف على من خصص الأفواه هنا بالكلام، وأنه داخل في الذي قبله لكون اللسان من لوازم الكلام فيعود إليه.
(١) مفردات ألفاظ القرآن ٦٥٠. (٢) الدر المنثور ٨/ ١٤٠. (٣) تفسير مقاتل بن سليمان ٤٣١٦. ولم يفرق المفسرون في هذا المثال والذي قبله بين اللسان والكلام وإنما استفاض كلامهم في المثال الأول على مسألة التوكيد، وفي الثاني على ضرب المثل.