ويتبين مما تقدم صحة الوجه في معنى الآية، ومأخذه المعنى المشهور للفظ من اللغة، قال الخليل:«قوله عزَّ وجلَّ: {إِنَّ لَكَ فِي النَّهَارِ سَبْحًا طَوِيلًا}[المزمل: ٧].
أيْ: فَراغاً للنَّوم» (١).
الوجه الثاني: الدوران.
ومثل له ابن الجوزي:{وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ}[يس: ٤٠].
قال ابن عباس:«في فلك كفلك المغزل» وعنه أيضا: «دوراناً، أي في فلك السماء يدورون» وقال مجاهد: «يجرون»، ونحوهما عن قتادة (٢)، وعكرمة والضحاك وعطاء والحسن وابن زيد (٣).
وذكر الدوران من المفسرين: القرطبي (٤)، وابن كثير.
وذكر الجريان منهم: الزَّجَّاج (٥)، والبغوي، وابن عطية، والقرطبي.
ويتبين مما تقدم أن الوجه صحيح في معنى الآية، غير أنه لابد من توضيح أمور:
- أن السَّبح في الآية على معناه المشهور في اللغة وهو السعي والجري، قال الزَّجَّاج:«يسيرون بانبساط، وكل من انبسط في شيء فقد سبح فيه، ومن ذلك السباحة في الماء»(٦) وقال الراغب الأصفهاني: «السَّبْح: المرُّ السَّريع في الماء أو في الهواء، واستعير لمر النجوم في الفلك نحو:{وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ}[يس: ٤٠]»(٧).
- ثم أن معنى الدوران في الآية في الفلك المستدير، وعليه يدل تفسير السلف أنه مثل فلكة المغزل، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: «إجماع المسلمين على أن الفلك مستدير: وما نحن فيه من كروية الأفلاك واستدارتها من هذا الباب، بل هذا مما أجمع عليه سلف الأمة من الصحابة
(١) العين ص ٤٠٥. (٢) جامع البيان ٢٣/ ١٣. (٣) ذكره عنهم ابن كثير في تفسيره ٥/ ٣١٥. (٤) الجامع لأحكام القرآن ١٥/ ٢٣. تفسير القرآن العظيم لابن كثير ٥/ ٣١٥. (٥) معاني القرآن وإعرابه ٤/ ٢٨٨. معالم التنزيل ص ١٠٨١. المحرر الوجيز ٤/ ٤٥٤. الجامع لأحكام القرآن ١٥/ ٢٣. (٦) معاني القرآن وإعرابه ٤/ ٢٨٨. (٧) مفردات ألفاظ القرآن ص ٣٩٢.