قال ابن الجوزي:
«قال شيخنا علي بن عبيد اللَّه رضي اللَّه عنه: الأصل في الأمانة: الأمن والطمأنينة. والموضع الذي يطمئن فيه الإنسان: المأْمَن. والوديعة: أمانة لأن صاحبها ائتمن المودع على حفظها فاطمأن إليه.
وقال ابن فارس: يقال: رجل أمَنَة. وأمَنَة: يثق بكل أحد. ورجل أمين وأُمَّان. وأنشدوا.
ولقد شَهِدْتُ التّاجِرَ الـ ... أُمّانَ موْرُوداً شرابُهْ (١)
والأَمُون: الناقة الموثقة الخلق. وكأنه أُمن فيها الفتور في السير (٢).
[وذكر بعض المفسرين أن الأمانة في القرآن على ثلاثة أوجه]
أحدها: الفرائض، ومنه قوله تعالى في سورة الأنفال: {لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ} [الأنفال: ٢٧]، أي: تضيعوا فرائضكم. وفي الأحزاب: {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ} [الأحزاب: ٧٢].
والثاني: الوديعة. ومنه قوله تعالى في سورة النساء: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا}، وفي المؤمنون: {وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ} [المؤمنون: ٨].
والثالث: العفة. ومنه قوله تعالى في القصص: {إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ} [القصص: ٢٦].» (٣)
[دراسة الوجوه التي ذكرها ابن الجوزي]
الوجه الأول: الفرائض.
[ومثل ابن الجوزي لهذا الوجه بآيتين]
الآية الأولى: قوله تعالى: {لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ} [الأنفال: ٢٧].
وقال به من السلف: ابن عباس (٤).
(١) البيت للأعشى وهو في ديوانه ص ١٩، وفي اللسان (أمن).
(٢) وللاستزادة من اللغة، ينظر مقاييس اللغة ص ٧١، والعين ص ٤٠، والمحكم والمحيط الأعظم ١٠/ ٤٩٢.
(٣) نزهة الأعين ص ١٠٤.
(٤) جامع البيان ٩/ ٢٧٨.