حال بَينَنا وبَينَ البَيتِ قاتَلناه. فقالَ النَّبِىُّ -صلى الله عليه وسلم-: "فروحوا إذن". قال الزُّهرِىُّ: وكانَ أبو هريرةَ يقولُ: ما رأيتُ أحَدًا قَطُّ كان أكثَرَ مَشورَةً لأصحابِه مِن رسولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-. قال الزُّهرِىُّ فى حَديثِ المِسوَرِ بنِ مَخرَمَةَ ومَروانَ بنِ الحَكَمِ: فراحوا حَتَّى إذا كان ببَعضِ الطَّريقِ قال النَّبِىُّ -صلى الله عليه وسلم-: "إنَّ خالِدَ بنَ الوَليدِ بالغَميمِ فى خَيلٍ لِقُرَيشٍ طَليعَةً، فخُذوا ذاتَ اليَمينِ". فواللهِ ما شَعَرَ بهِم خالِدٌ حَتَّى إذا هو بغَبَرَةِ الجَيشِ، فانطَلَقَ يَركُضُ نَذيرًا لِقُرَيشٍ، وسارَ رسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- حَتَّى إذا كان بالثَّنيَّةِ التى يُهبَطُ عَلَيهِم مِنها، بَرَكَت به راحِلَتُه، فقالَ النّاسُ: حَلْ حَلْ (١). فأَلَحَّت (٢)، فقالوا: خَلأتِ القَصواءُ، خَلأتِ القَصواءُ. فقالَ النَّبِىُّ -صلى الله عليه وسلم-: "ما خَلأتِ القَصواءُ (٣)، وما ذاكَ لَها بخُلُقٍ؛ ولَكِن حَبَسَها حابِسُ الفيلِ". ثُمَّ قال:"والَّذِى نَفسِى بيَدِه لا يَسأَلونِى خُطَّةً يُعَظِّمونَ فيها حُرُماتِ اللهِ إلَّا أعطَيتُهُم إيّاها". ثُمَّ زَجَرَها فوَثَبَتْ به. قال: فعَدَلَ عَنها حَتَّى نَزَلَ بأَقصَى الحُدَيبيَةِ على ثَمَدٍ (٤) قَليلِ الماءِ، إنَّما يَتَبَرَّضُه النّاسُ تبَرُّضًا (٥)، فلَم
(١) حَلْ حَلْ: كلمة معناها الزجر، يقال فى زجر البعير: حَلْ بالتخفيف. ويقال: حلحلت الإبل. إذا زجرتها لتنبعث. معالم السنن ٢/ ٣٢٧. (٢) ألحت: لزمت المكان فلم تنبعث، ويقال: تلحلح بالمكان. إذا لزمه فلم يبرح، وتحلحل عنه إذا زال وفارقه. معالم السنن ٢/ ٣٢٧. (٣) خلأت الناقة خلاءً: إذا حَرَنت، وذلك إذا وقفت ولم تتحرك وإن ضربت. ينظر غريب الحديث للحربى ٢/ ٤٤٦. (٤) الثمد: الماء القليل. ويقال: ماء مثمود. إذا كثرت عليه الشفاه حتى يفنى وينزف. معالم السنن ٢/ ٣٢٨. (٥) أى: يتتبعه الناس قليلًا قليلًا، والتبرض: جمع القليل منه بعد القليل، والبرض: قليل الماء. مشارق الأنوار ١/ ٨٥.