والحديث دليل أنه لم ينص - صلى الله عليه وسلم - على أحد بالخلافة بعده، إذ لو كان نص على أحد لما قال العباس لعلي - عليه السلام - بما قال، ولا أجاب عليه بما أجاب، وللناس خلاف طويل، وقال وقيل في هذه المسألة ولسنا بذكره نطيل [٢٤٩/ أ]، ويأتي طرف من ذلك قريباً. [٣٥٠ ب].
٢ - وَعَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ - رضي الله عنه - قَالَ: أَتَتْ امْرَأَةً النبيّ - صلى الله عليه وسلم - فَكَلَّمَتْهُ فِي شَيْءٍ فَأَمَرَهَا أَنْ تَرْجِعَ، فَقَالَتْ: فَإِنْ لَمْ أَجِدْكَ: كَأَنَّهَا تَعْنِى المَوْتَ. قَالَ "فَإِنْ لَمْ تَجِدِيني فَأْتِى أَبَا بَكْرٍ". أخرجه الشيخان (١) والترمذي (٢). [صحيح].
قوله:"في حديث جبير بن مطعم كأنها تعني الموت" هذا ظنٌ من قائله، بل يحتمل أنها تريد: إن لم أجدك بارزاً للناس فأمرها أن تأتي أبا بكر؛ لأنه يبلغ إليه حاجتها، فقد كان أكثر الصحابة ملازمة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإن كانت أرادت الموت فقد علم - صلى الله عليه وسلم - بكل كائنة بعده، وعلم أن أبا بكر يلي أمر الأمة بإرادة الله وإن لم ينص - صلى الله عليه وسلم - على أنه الخليفة من بعده، فمن استدل به على أنه - صلى الله عليه وسلم - استخلف أبا بكر فلا يتم له الاستدلال.
قال الحافظ ابن حجر (٣) في قول عمر فيما أخرجه البخاري (٤) وغيره (٥): "إن استخلف فقد استخلف من هو خير مني أبو بكر، وإن أترك فقد ترك من هو خير مني رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - "، فيه رد على من جزم كالطبري [ومثل بكر بن عبد الواحد](٦)، وبعده ابن حزم: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - استخلف أبا بكر، ووجهه جزم عمر بأنه - صلى الله عليه وسلم - لم يستخلف.
(١) البخاري في "صحيحه" رقم (٣٦٥٩) وطرفاه: (٧٢٢٠، ٧٣٦٠) ومسلم في "صحيحه" رقم (٢٣٨٦). (٢) في "السنن" رقم (٣٦٧٧). (٣) في "فتح الباري" (١٣/ ٢٠٨). (٤) في "صحيحه" رقم (٧٢١٨). (٥) في "صحيحه" رقم (١٨٢٣). (٦) كذا في المخطوط، والذي في "فتح الباري": وقبله بكر بن أخت عبد الواحد.