للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الله عليه وسلم أنه قال لرجل: «اعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك». فأمره بحالتين إحداهما أقوى من الأخرى، لأني كأني أرى الشيء بقوة العلم به وحقيقة التصديق له أقوى من أن أكون أعلم أن ذلك يراني، وإن كان علمي بأنه يراني حقيقة علم موجبة للتصديق، والمعنى الاول أولى وأقوى، والفضل بجمعهما على تقديم إحداهما على الأخرى. قال أحمد:

وسألته عن علامة الإيمان قال: الإيمان علامته طاعة من آمنت به، والعمل بما يحبه ويرضاه، وترك التشاغل عنه بشيء ينقضي عنده حتى أكون عليه مقبلا، ولموافقته مؤثرا، ولمرضاته متحيرا، لأن من صفة حقيقة علامة الإيمان ألا أوثر عليه شيئا دونه، ولا أتشاغل عنه بسبب سواه، حتى يكون المالك لسري والحاث لجوارحي بما أمرني من آمنت به، وله عرفت، فعند ذلك تقع الطاعة لله على الاستواء، ومخالفة كل الأهواء، والمجانبة لما دعت إليه الأعداء، والمتاركة لما انتسب إلى الدنيا، والإقبال على من هو أولى، وهذه بعض الشواهد والعلامات فيما سألت عنه، وصفة الكل يطول شرحه.

قل وسألته: ما الإيمان؟ فقال هذا سؤال لا حقيقة له ولا معنى ينبئ عن مزيد من علم، وإنما هو الإيمان بالله جل ثناؤه مجردا، وحقيقته في القلوب مفردا، وإنما هو ما وقر في القلب من العلم بالله، والتصديق، وبما أخبر من أموره في سائر سماواته وأرضه مما ثبت في الإيقان، وإن لم أره بالعيان، فكيف يجوز أن يكون للصدق صدق، وللإيقان إيقان، وإنما الصدق فعل قلبي، والإيقان ما استقر من العلم عندي، فكيف يجوز أن يفعل فعلي، وإنما أنا الفاعل، أو يعلم علمى ونما أنا العالم، والسؤال في الابتداء غير مستقيم، ولو جاز أن يكون للايمان إيمان ولتصديق تصديق، جاز أن يوالى ذلك ويكرر إلى غاية تكثر في العدد وجاز أن يكون كما عاد علي ثواب إيماني وثواب تصديقي أن يعود على إيمان إيماني ثواب، وعلى تصديق تصديقي جزاء، ولو أردت استقصاء القول فى واجب ذلك لا تسع به الكتاب، وطال به الخطاب، وهذا مختصر من الجواب.

<<  <  ج: ص:  >  >>