للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الغيوب، المراقبون للمحبوب، التاركون للمسلوب، المحاربون للمحروب، سلكوا مسلك الصحابة والتابعين، ومن نحى نحوهم من المتقشفين والمتحققين، العالمين بالبقاء والفناء، والمميزين بين الإخلاص والرياء، والعارفين بالخطرة والهمة والعزيمة والنية، والمحاسبين للضمائر، والمحافظين للسرائر، المخالفين للنفوس، والمحاذرين من الخنوس (١) بدائم التفكر، وقائم التذكر، طلبا للتدانى، وهربا من التوانى، لا يستهين بحرمتهم (٢) إلا مارق، ولا يدعي أحوالهم إلا مائق، ولا يعتقد عقيدتهم إلا فائق، ولا يحن إلى موالاتهم إلا تائق (٣) فهم سرج الآفاق، والممدود إلى رؤيتهم بالأعناق، بهم نقتدي وإياهم نوالي إلى يوم التلاق.

قال الشيخ: : بدأنا بذكر من اشتهر من الصحابة بحال من الأحوال، وحفظ عنه حميد الأفعال، وعصم من الفتور والإكسال، وفصل له العهود والحبال، ولم يقطعه سآمة ولا ملال، فمن المهاجرين أولهم

[أبو بكر الصديق]

أبو بكر الصديق، السابق إلى التصديق، الملقب بالعتيق، المؤيد من الله (٤)

بالتوفيق، صاحب النبي في الحضر والأسفار، ورفيقه الشفيق في جميع الأطوار، وضجيعه بعد الموت في الروضة المحفوفة بالأنوار المخصوص في الذكر الحكيم بمفخر فاق به كافة الأخيار، وعامة الأبرار، وبقي له شرفه على كرور الأعصار، ولم يسم إلى ذروته همم أولي الأيد والأبصار، حيث يقول عالم الأسرار ﴿(ثاني اثنين إذ هما في الغار)﴾ إلى غير ذلك من الآيات والآثار، ومشهور النصوص الواردة فيه والأخبار، التي غدت كالشمس في الانتشار، وفضل كل من فاضل، وفاق كل من جادل وناضل، ونزل فيه ﴿(لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل)﴾ توحد الصديق، في الأحوال بالتحقيق، واختار الاختيار من الله دعاه إلى الطريق، فتجرد من الأموال،


(١) الخنوس: التأخر
(٢) ح: بخدمتهم
(٣) ح: إلا سابق
(٤) ح: من السماء

<<  <  ج: ص:  >  >>