• سمعت أبا الحسن بن مقسم يقول: سمعت المرتعش يقول: سألت أبا عبد الله الحضرمي عن التصوف - وكان منذ عشرين سنة صمت عن الكلام - فأجابني من القرآن فقال: ﴿(رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه)﴾ فقلت: فكيف صفتهم؟ فقال: ﴿(لا يرتد إليهم طرفهم وأفئدتهم هواء)﴾. قلت: فأين محلهم من الأحوال؟ قال ﴿(في مقعد صدق عند مليك مقتدر)﴾ قلت: زدني. قال ﴿(إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤلا)﴾.
[[عبد الله الحداد]
ومنهم أبو محمد عبد الله بن محمد الرازي يعرف بالحداد. كان عن حظه حائدا، ولمشهوده شاهدا.
• سمعت نصر بن أبي نصر العطار الصوفي يقول سمعت محمد بن داود الدينوري يقول قال عبد الله بن الحداد: العبودية ظاهرا والحرية باطنا من أخلاق الكرام. وقال: العبادة يعرفها العلماء، والإشارة يعرفها الحكماء، واللطائف يقف عليها السادة من النبلاء. وكان يقول: علامة الصبر ترك الشكوى، وكتمان الضر والبلوى. ومن علامة الإقبال على الله صيانة الأسرار عن الالتفات إلى الأغيار، وأحسن العبيد حالا من رأى نعم الله عليه بأن أهله لمعرفته، وأذن له فى قربه، وأباح له سبيل مناجاته، وخاطبه على لسان أعز السفراء محمد ﷺ، وعرف تقصيره عن القيام بواجب أداء شكره، إذ شكره يستوجب شكرا إلى مالا نهاية. وأحسن العبيد من عد تسبيحه وصلاته ويرى أنه لا يستحق به على ربه شيئا. فلولا فضله ورحمته لعاينت الأنبياء ﵈ في مقام الإفلاس، كيف وأجلهم حالا وأرفعهم منزلة، والقائم بمقام الصدق كيف عجز عنه الرسل، كلهم يقول:«ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمة منه وفضل» فمن رأى لنفسه بعد هذا حالا أو مقاما فهو لبعده عن طرقات المعارف] (١).