"أتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقلت: عليك السلام يا رسول الله، قال: لا تقل عليك السلام، فإنّ عليك السلام تحية الموتى" أي: يحيى بها أهل الجاهلية الموتى.
"إذا سلمت فقل: السلام عليك فيقول الراد: عليك السلام"، قال ابن القيم في "زاد المعاد"(١): وقد أشكل هذا الحديث على طائفة، وظنوه معارضاً لما ثبت عنه - صلى الله عليه وسلم - من السلام في تحية الموتى بلفظ:"السلام عليكم" بتقديم السلام، وظنوا أنّ قوله:"فإنّ عليك السلام تحية الموتى" إخبار عن المشروع، وغلطوا في ذلك غلطاً [ظنوا به التعارض](٢) وليس كذلك.
فإنّ معنى قوله:"فإنّ عليك السلام تحية الموتى" إخبار عن الواقع لا عن المشروع، أي: أنّ الشعراء وغيرهم يحيون الموتى بهذا اللفظ كقول قائلهم:
عَليكَ سَلامُ الله قيسَ بنَ عَاصمٍ ... ورحمتهُ ما شاء أن يترحَّما
فما كان قيسٌ هُلكُه هُلْكَ واحدٍ ... ولكنَّهُ بُنيانُ قومٍ تهدَّما
فكره - صلى الله عليه وسلم - أن يُحيَّى بتحية الأموات، ومن كراهته لذلك لم يردَّ على المسلِّم بها، وهذا الحديث دليل على أنها لا تجب الواو في الرد، وأنه يكون الجواب بدونها صحيحاً؛ لأنه قال:"فيقول الراد: عليك السلام"(٣).
(١) (٢/ ٣٨٤). (٢) كذا في (أ. ب) والذي في "زاد المعاد": أوجب لهم ظنَّ التعارض. (٣) وقال ابن القيم في تهذيبه على "مختصر سنن أبي داود" للمنذري (٦/ ٤٩ - مختصر السنن): الدعاء بالسلام دعاء بخير، والأحسن في دعاء الخير أن يقدم الدعاء على المدعو له، كقوله تعالى: {رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ} [هود: ٧٣]. وقوله: {وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ} [مريم: ١٥]. وقوله: {سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ} [الرعد: ٢٤]. =