وقوله:"أنسى كما تنسون" فيه دليل على جواز النسيان عليه - صلى الله عليه وسلم - في أحكام الشرع، وهو مذهب جمهور العلماء (١)، وهو ظاهر القرآن والأحاديث.
واتفقوا (٢) على أنه - صلى الله عليه وسلم - لا يقر عليه، بل يعلمه الله به.
ومنعت (٣) طائفة من العلماء السهو عليه - صلى الله عليه وسلم - في الأفعال البلاغية والعبادات كما أجمعوا على منعه واستحالته عليه في الأقوال البلاغية. وأجابوا عن الظواهر الواردة في ذلك.
قال (٤): والصحيح الأول؛ لأن السهو لا يناقض النبوة، وإذا لم يقر عليه لم يحصل منه مفسدة، بل تحصل فيه فائدة وهي بيان أحكام [١٣٠ ب] الناسي وتقرير الأحكام. انتهى.
قلت: وقد صرح - صلى الله عليه وسلم - بأنه ينسى (٥) وأمرهم أن يذكرونه، وقد صرح بأنه إنما ينسى أو يُنسى ليسن، فكيف يقال لا يجوز عليه - صلى الله عليه وسلم - ما صرّح بوقوعه؟
وما أرى مانع ذلك إلا أُتي من الغلو في أحوال النبوة!
قوله:"ثم سجد سجدتين" أطلق هنا محل السجدتين عن قيد قبل السلام أو بعده.
قال أبو عيسى الترمذي (٦): اختلف أهل العلم في سجدتي السهو، متى يسجدهما الرجل، قبل السلام أو بعده؟
(١) انظر: "فتح الباري" (٣/ ١٠١). (٢) قاله النووي في شرحه لصحيح مسلم (٥/ ٦٢). (٣) ذكره النووي في شرحه لصحيح مسلم (٥/ ٦١). (٤) أي النووي في شرحه لصحيح مسلم (٥/ ٦١ - ٦٢). (٥) انظر: "فتح الباري" (٣/ ١٠١). (٦) في "السنن" (٢/ ٢٣٧).