قوله:"خذوا عني مناسككم" أي: عباداتكم وذلك أنّ الحج المأمور به في الكتاب والسنة مجمل اتفاقًا، ولا يتم الامتثال له والعمل به إلاّ بعد بيانه، وقد بيّنه الله تعالى على لسان رسوله - صلى الله عليه وسلم - وأفعاله وتقريره، ولذا قال تعالى:{لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ} , والبيان بالأفعال أوضح منه بالأقوال، ولذا قال - صلى الله عليه وسلم -: "صلوا كما رأيتموني أصلي"(١) مع أنّه قد بيّنها بأقواله وتعليم العباد إياها من أركانها وشرائطها، كذلك الحج بيّنه - صلى الله عليه وسلم - بأفعاله ثم أمرهم بأخذه، أعني من أفعاله وأقواله، والمناسك جمع منسك [و](٢) هي العبادة والمراد هنا عبادات الحج إذ السياق فيه إلاّ أنّه لا يقصر العام على سببه، فكل عبادة إنما تؤخذ منه - صلى الله عليه وسلم -، فقوله:"خذوا عني" شامل لكل عبادة، وقد تقرر أنّ أفعاله - صلى الله عليه وسلم - هي بيان الإجمال تفيد الوجوب لما بيّنه، وكل ما فعله صلى الله عليه [١٨٣ ب] وآله وسلم في حجه من عبادة فالأصل فيها الوجوب حتى يأتي دليل على خلافه، ولذا قال - صلى الله عليه وسلم -: "نحرت هنا ومنى كلها منحر، ووقفت هنا وعرفات كلها موقف"(٣). دفعًا لتوهم أنه يتعين محلات مناسكه؛ لأنها من بيان المجمل فدفع ذلك، ومنه قوله:"ارم ولا حرج"(٤) ونحوه مما يأتي.
(١) أخرجه البخاري رقم (٦٣٠)، ومسلم رقم (٢٤/ ٣٩٩)، وأبو داود رقم (٥٨٩)، والترمذي رقم (٢٠٥)، والنسائي (٢/ ٧٧)، وابن ماجه رقم (٩٧٩) من حديث مالك بن الحويرث. (٢) زيادة من (أ). (٣) أخرجه أحمد (٣/ ٣٢١)، ومسلم رقم (١٤٩/ ١٢١٨)، وأبو داود رقم (١٩٠٧). من حديث جابر - رضي الله عنه -. وهو حديث صحيح. (٤) أخرجه أحمد (٢/ ١٥٩، ١٦٠، ١٩٢، ٢١٠، ٢١٧)، والبخاري رقم (١٧٣٦)، ومسلم رقم (٣٣٣/ ١٣٠٦) من حديث عبد الله بن عمر.