للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

﴿قال إني جاعلك للناس إماما)﴾ فالجزاء إنما وقع له بعد ما أتم حمل البلوى. قال وسمعت أبا إسحاق يقول: الحركة للمريدين طهارة ولسائر الناس إباحة، وللمخصوصين عقوبة لهم إذا مالوا إلى ما فيه الحظ لأنفسهم لأن الأسباب إنما تبطئ على العارفين وتمتنع عن الحركة إليهم لما فيهم من الحركة إليها فإذا فنيت آثارها تحركت إليهم وأقبل الملك بكليته عليهم. وكفى بالثقة بالله مع صدق الانقطاع إليه حياطة من العبد لنفسه وأهله وولده. وكل مريد يتوجه إلى الله وهموم الأرزاق قائمة في قلبه فإنه لا يفلح ولا ينفذ في توجهه. قال وسمعت أبا إسحاق يقول: علامة حقيقة المعرفة بالقلب خلع الحول والقوة وترك التملك مع الله في شيء من ملكه، ودوام حضور القلب بالحياء من الله وشدة انكسار القلب من هيبة الله، فهذه الأحوال دلائل المعارف والحقيقة، فمن لم يكن على هذه الأحوال فإنما هو على الأسماء والصفات. قال وسمعته يقول: التوكل على ثلاث درجات على الصبر والرضى والمحبة، لأنه إذا توكل وجب عليه أن يصبر على توكله بتوكله لمن توكل عليه، وإذا صبر وجب عليه أن يرضى بجميع ما حكم عليه، وإذا رضي وجب عليه أن يكون محبا لكل ما فعل به موافقة له.

قال الشيخ: كان أبو إسحاق من المحققين في التوكل المنخلعين من حظوظهم التاركين لأحكام نفوسهم. فكان الحق يحملهم ويلطفهم بلطائف لطفه. من ذلك ما أخبرنيه

عبد الواحد بن بكر حدثني محمد بن عبد العزيز قال سمعت أبا بكر الحربي يقول قلت لإبراهيم الخواص: حدثني بأحسن شيء مر عليك فقال: خرجت من مكة عن طريق الجادة واعتقدت فيما بيني وبين الله تعالى ألا أذوق شيئا أو أنظر إلى القادسية، فلما صرت بالربذة إذا أنا بأعرابى يعدو وبيده السيف مسلول وبيده الاخرى قعب لبن. فصاح بي يا إنسان فلم ألتفت إليه، فلحقني فقال: اشرب هذا وإلا ضربت عنقك. فقلت: هذا شيء ليس لي فيه شيء فأخذت فشربته فلا والله ما عارضني شيء بعد ذلك إلى أن بلغت القادسية.

• وفيما حدث به عبد الواحد عن همام بن الحارث قال سمعت إبراهيم

<<  <  ج: ص:  >  >>