فى مواضع الأعمال. والفقير ضعف بدنه في العمل قوة معرفته وصحة توكله، والفقير يعمل على إدراك حقيقة الإيمان وبلوغ ذروته، والغني يعمل على نقصان في إيمانه وضعف من معرفته. والفقير يفتخر بالله ﷿ ويصول به، والغني يفتخر بالمال ويصول بالدنيا، والفقير يذهب حيث شاء والغني مقيد مع ماله، والفقير يكره إقبال الدنيا والغني يحب إقبالها، والفقير فوق ما يقول والغني دون ما يقول. والناس رجلان رجل وعبد فالرجل مهموم بتدبير نفسه متعوب بالسعي في مصلحته، والعبد طرح نفسه في ظل الربوبية وكان من حيث العبودية، وعلى قدر حسن قبول العبد عن الله تكون معونة الله له. والمتوكلون الواثقون بضمانه غابوا عن الأوهام وعيون الناظرين فعظم خطر ما أوصلهم إليه وجل قدر ما حملهم عليه وعظمت منزلتهم لديه. فيا طيب عيش لو عقل ويا لذة وصل لو كشف ويا رفعة قدر لو وصف وفى ذلك يقول.
معطلة أجسامهم لا عيونهم … ترى ما عليهم من قضاياه قد يجرى
جوارحهم عن كل لهو وزينة … محجبة ما أن تمر إلى أمر
فهم أمناء الله في أهل أرضه … ملوك كرام فى البرارى وفى البحر
رءوسهم مكشوفة في بلادهم … وهم بصواب الأمر أسبابهم تجرى
عدول ثقات في جميع صفاتهم … أرق عباد الله مع صحة السر
هنيئا لمغبوط يصول بسيد … يعادل قرب الأمر والبعد فى الفكر
فيا زلفة للعبد عند مليكه … فصار كمن فى المهد ربى وفى الحجر
ويا حسرة المحجوب عن قدر ربه … بأدناسه في نفسه وهو لا يدري
قال: والعارف بالله يحمله الله بمعرفته، وسائر الناس تحملهم بطونهم، ومن نظر الأشياء بعين الفناء كانت راحته في مفارقتها ولم يأخذ منها إلا لوقته. قال والرزق ليس فيه توكل إنما فيه صبر حتى يأتي الله به في وقته الذي وعد، وإنما يقوى صبر العبد على قدر معرفته بما صبر له أو لمن صبر، والصبر ينال بالمعرفة وعلى الصابر حمل مئونة الصبر حتى يستحق ثواب الصابرين، لأن الله تعالى جعل الجزاء بعد الصبر قال الله تعالى: ﴿(وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن﴾