مجال قلوب العارفين بروضة … سماوية من دونها حجب الرب
معسكرها فيها مجنى ثمارها … تنسم روح الأنس لله من قرب
يكنفها من عالم السر قربه … فلو قدر الآجال ذابت من الحب
وأروى صداها صرف كاسات حبه … وبرد نسيم جل عن منتهى الخطب
فيال قلوب قربت فتقربت … لذي العرش ممن زين الملك بالقرب
رضاها فارضاها فحازت مدا الرضى … وحلت من المحبوب بالمنزل الرحب
لها من لطيف الحب عزم سرت به … ويهتك بالافكار ما داخل الحجب
فإن فقدت خوف الفراق لإلفها … أدامت حنينا تطلب الانس بالقرب
سرى سرها بين الحبيب وبينها … فأضحى مصونا من سوى الرب في القلب.
• حدثنا عثمان بن محمد ثنا أبو بكر البغدادي قال سمعت عبد الله بن سهل الرازي يقول سمعت يحيى بن معاذ يقول قال ذو النون: حقيقة السخاء أن تلزم البخيل في منعه إياك لوما لأنك إنما لمته واشتغلت به لوقوع ما منعك في قلبك ولو هان ذلك عليك لم تشتغل بلومه ثم أنشا يقول:
كريم كصفو الماء ليس بباخل … بشيء ولا مهد ملاما لباخل.
• حدثنا عثمان بن محمد قال سمعت أبا الحسن المذكر يذكر عن بعض أشياخه عن ذي النون قال: صحبت زنجيا في التيه وكان مفلفل الشعر، فإذا ذكر الله ابيض، فورد علي أمر عظيم، فقلت: لم يا هذا إنك إذا ذكرت الله تحول لونك وانقلبت عيناك؟ قال: فجعل يخطر في التيه ويقول:
ذكرنا وما كنا لننسى فنذكر … ولكن نسيم القرب يبدو فيظهر
فاحيى به عنى واحي به له … إذ الحق عنه مخبر ومعبر
قال ذو النون: فما طرق سمعي مثل حكمة ذلك الزنجي فعلمت أن لله تعالى عبادا تعلى قلوبهم بالاذكار كما تعلى الأطيار في الأوكار، لو فتشت منهم القلوب لما وجدت فيها غير حب المحبوب. قال: ثم بكى ذو النون وأنشأ يقول:
وأذكر أصنافا من الذكر حشوها … وداد وشوق يبعثان على الذكر
فذكر أليف الحب ممتزج بها … يحل محل الروح فى طرفها يسرى