الآخرة فى البغض على ظنه، ولا يخشى المقت في اليقين من نفسه، لا يقدر في الدنيا على ما يهوى، ولا يقبل من الآخرة ما يبقى، يبادر من الدنيا ما يفنى ويترك من الآخرة ما يبقى. إن عوفي حسب أنه قد تاب، وان ابتلي عاد.
يقول في الدنيا قول الزاهدين، ويعمل فيها عمل الراغبين، يكره الموت لا ساءته، ولا ينتهي عن الإساءة في حياته، يكره الموت لما لا يدع، ويحب الحياة لما لا يصنع، إن منع من الدنيا لم يقنع، وان اعطى منها لم يشبع، وإن عرضت الشهوة قال يكفيك العمل فواقع، وإن عرض له العمل كسل وقال يكفيك الورع. لا تذهب مخافته الكسل، ولا تبعثه رغبته على العمل. يرجو الأجر بغير عمل، ويؤخر التوبة لطول الأمل، ثم لا يسعى فيما له خلق، ورغبته فيما تكفل له من الرزق، وزهادته فيما أمر به من العمل، ويتفرغ لما فرغ له من الرزق، يخشى الخلق في ربه، ولا يخشى الرب في خلقه، يعوذ بالله ممن هو فوقه، ولا يعيذ بالله من هو تحته، يخشى الموت، ولا يرجو الفوت؛ يأمن ما يخشى وقد أيقن به؛ ولا ييأس مما يرجو وقد تيقن منه؛ يرجو نفع علم لا يعمل به، ويأمن ضر جهل قد أيقن به، يسخر بمن تحته من الخلق؛ وينسى ما عليه فيه من الحق، ينظر إلى من هو فوقه في الرزق، وينسى من تحته من الخلق، يخاف على غيره بأدنى من ذنبه، ويرجو لنفسه بأيسر من عمله، يبصر العورة من غيره ويغفلها من نفسه، إن ذكر اليقين قال ما هكذا من كان قبلكم، فإن قيل أفلا تعمل أنت عملهم؛ يقول: من يستطيع أن يكون مثلهم.
فهو للقول مدل، ويستصعب عليه العمل، يرى الأمانة ما عوفي وأرضى، والخيانة أن اسخط وأبتلى، يلين ليحسب عنده أمانة فهو يرصدها للخيانة، يتعلم للصداقة ما يرصد به للعداوة، يستعجل بالسيئة وهو في الحسنة بطيء، يخف عليه الشعر، ويثقل عليه الذكر، اللغو مع الأغنياء أحب إليه من الذكر مع الفقراء، يتعجل النوم ويؤخر الصوم، فلا يبيت قائما ولا يصبح صائما، ويصبح وهمه التصبح من النوم ولم يسهر، وبمشى وهمه العشاء وهو مفطر - زاد الحجاج عن المسعودي في روايته - إن صلى اعترض، وإن ركع ربض،