للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ليغنم، ويخالق ليعلم، لا ينصت لخير حين ينصت وهو يسهو، ولا يستمع له وهو يلغو، لا يحدث أمانته الأصدقاء، ولا يكتم شهادته الأعداء، ولا يعمل من الخير شيئا رياء، ولا يترك منه شيئا حياء، مجالس الذكر مع الفقراء أحب إليه من مجالس اللهو مع الأغنياء.

ولا تكن يا بني ممن يعجب باليقين من نفسه فيما ذهب، وينسى اليقين فيما رجا وطلب، يقول فيما ذهب لو قدر شيء لكان، ويقول فيما بقي ابتغ (١) أيها الإنسان، شاخصا غير مطمئن، ولا يثق من الرزق بما قد ضمن. لا تغلبه نفسه على ما يظن، ولا يغلبها على ما يستيقن، فهو من نفسه في شك، ومن ظنه إن لم يرحم في هلك، إن سقم ندم، وإن صح أمن، وإن افتقر حزن، وإن استغنى افتتن، وإن رغب كسل، وإن نشط زهد، يرغب قبل أن ينصب، ولا ينصب فيما يرغب، يقول لم أعمل فأتعنى، بل أجلس فأتمنى، يتمنى المغفرة ويعمل بالمعصية، كان أول عمره غفلة وغرة، ثم أبقي واقيل العثرة، فاذا فى آخره كسل وفترة، طال عليه الأمل فافتتن، وطال عليه الأمد فاغتر، واعذر اليه فيما عمر، وليس فيما أعمر بمعذر، عمر ما يتذكر فيه من تذكر، فهو من الذنب والنعمة موقر، أن اعطى من ليشكر (٢)، أو ان منع قال لم يقدر، أساء العبد واستأثر، يرجو النجاة ولم يحذر، ويبتغى الزيادة ولم يشكر، حق أن يشكر وهو أحق أن لا يعذر، يتكلف ما لم يؤمر، ويضيع ما هو أكثر، إن يسأل أكثر، وإن أنفق قتر، يسأل الكثير، وينفق اليسير، قدر له خير من قدره لنفسه فوسع له رزقه، وخفف حسابه؛ فأعطي ما يكفيه ومنع ما يلهيه، فليس يرى شيئا يغنيه، دون غنى يطغيه، يعجز عن شكر ما أوتي، ويبتغي الزيادة فيما بقي، يستبطئ نفسه في شكر ما أوتي، وينسى ما عليه من الشكر فيما وفى، ينهى فلا ينتهي، ويأمر بما لا يأتي، يهلك فى بغضه ويقصر في حبه، غره من نفسه حبه ما ليس عنده، وبغضه على ما عنده مثله، يحب الصالحين فلا يعمل أعمالهم، ويبغض المسيئين وهو أحدهم، يرجو


(١) فى المختصر. أتبع:
(٢) وفيه ليستكثر.

<<  <  ج: ص:  >  >>