للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إن لم يرحمني ربي. ويحي! كيف لا توهن قوتى ولا تعطش هامتى (١) بل ويلي! إن لم يرحمني ربي. ويحي! كيف لا أنشط فيما يطفئها عني؟ بل ويلي! إن لم يرحمني ربي.

ويحي! كيف لا يذهب ذكر خطيئتي كسلي، ولا يبعثني إلى ما يذهبها عني.

بل ويلي! إن لم يرحمني ربي. ويحي! كيف تنكا قرحتى ما تكسب يدى، ويح نفسى بل ويلى! ان لم يرحمنى ربى. ويحى! لا تنهاني الأولى من خطيئتي عن الآخرة، ولا تذكرني الآخرة من خطيئتي بسوء ما ركبت من الأولى، فويلى ثم ويلى! ان لم يتم عفو ربى. ويحي! لقد كان لي فيما استوعبت من لساني وسمعي وقلبي وبصري اشتغال، فويل لي ان لم يرحمنى ربى. ويحي! إن حجبت يوم القيامة عن ربي فلم يزكني ولم ينظر إلي ولم يكلمني، فأعوذ بنور وجه ربي من خطيئتي، وأعوذ به أن أعطى كتابى بشمالى أو وراء ظهري، فيسود به وجهي، وتزرق به مع العمى عينى. بل ويلى! ان لم يرحمنى ربى. ويحيى! بأي شيء أستقبل ربي؟ بلساني أم بيدي أم بسمعي أم بقلبي أم ببصري. ففي كل هذا له الحجة والطلبة عندى، فويل لي إن لم يرحمني ربي، كيف لا يشغلنى ذكر خطيئتى عما لا يعنينى؟ ويحك يا نفسى ما لك لا تنسين ما لا ينسى؟ وقد أتيت ما لا يؤتى، وكل ذلك عند ربك يحصى، فى كتاب لا يبيد ولا يبلى. ويحك! لا تخافين أن تجزى فيمن يجزى يوم تجزى كل نفس بما تسعى، وقد آثرت ما يفني على ما يبقى.

يا نفس ويحك! ألا تستفيقين مما أنت فيه؟ إن سقمت تندمين، وإن صححت تأثمين، مالك؟ إن افتقرت تحزنين، وإن استغنيت تفتنين. ما لك؟ إن نشطت تزهدين، فلم إن دعيت تكسلين؟ اراك ترغبين قبل أن تنصبى، فلم لا تنصبين فيما ترغبين.

يا نفس ويحك! لم تخالفين؟ تقولين في الدنيا قول الزاهدين وتعملين فيها عمل الراغبين. ويحك! لم تكرهين الموت؟ لم لا تذعنين وتحبين الحياة، لم لا تصنعين. يا نفس ويحك! أترجين أن ترضي ولا تراضين، وتجانبين وتعصين.


(١) كذا فى الاصلين والمختصر.

<<  <  ج: ص:  >  >>