الرابع: النهيُ عن التدابرِ. قالَ الخطابيُّ (١): أي لا تهاجَرُوا فيهجرَ أحدُكم أخاهُ، مأخوذٌ منْ توليةِ الرجلِ للآخرِ دُبُرَهُ إذا أعرضَ عنهُ حينَ يراهُ. وقالَ ابنُ عبدِ البرِّ (٢): قيلَ للإعراضِ تدابرٌ لأنَّ منْ أبغضَ أعرضَ، ومَنْ أعرضَ ولَّى دُبُرَهُ، والمحبُّ بالعكسِ. وقيلَ: معناهُ لا يستأثرْ أحدُكم على الآخرِ، وسمَّى المستأثِرَ مستدبرًا لأنهُ يولِّي دُبُرَهُ حينَ يستأثرُ بشيءٍ دونَ الآخرِ: وقال المازري (٣): معنَى التدابرِ المعاداةِ، تقولُ دابرتُه أي عاديتُه، وفي الموطأِ عن الزهريِّ: التدابرُ الإعراضُ عن السلامِ [يعرض](٤) عنهُ بوجْههِ، وكأنهُ أخذَهُ منْ بقيةِ الحديث، وهيَ:"يلتقيانِ فيعرضُ هذا، ويعرضُ هذا، وخيرُهُما الذي يبدأ بالسلامِ"(٥)، فإنهُ يفهمُ منهُ أن صدورَ السلامِ منْهما أوْ منْ أحدِهِما يرفعُ الإعراضَ.
الخامس: النهيُ عن البغي إنْ كانَ بالغينِ المعجمةِ، وإنْ كانَ بالمهملةِ فعنْ بيعِ بعضٍ على بعضٍ، وقدْ تقدَّم في كتابِ البيعِ. قالَ ابنُ عبدِ البرِّ: تضمَّنَ الحديثُ تحريمَ بُغْضِ المسلم، والإعراضِ عنهُ، وقطيعتهِ بعدَ صحبته بغيرِ ذنب شرعيٍّ، والحسدِ لهُ [بما](٦) أَنعمَ اللَّهُ تعالى عليهِ، ثمَّ أمرَ أنْ يعامِلَه معاملةَ الأخِ [من النسب](٧)، ولا يبحثُ عن معايبه، ولا فَرْقَ في ذلكَ بينَ الحاضِرِ والغائبِ، والحيِّ والميِّتِ، وبعدَ هذهِ المناهي الخمسةِ حثَّهم بنولِه:"وكونُوا عبادَ اللَّهِ إخْوانًا" فأشارَ بقولِه عبادَ اللَّهِ إلى أن منْ حقِّ العبوديةِ لله تعالى الامتثالَ لما أمروا به، قالَ القرطبيُّ (٨): المعنَى كونُوا [كإخوانِ](٩) النَّسَبِ في الشفقةِ والرحمةِ والمحبةِ، والمواساةِ والمعاونةِ، والنصيحةِ، وفي روايةٍ لمسلم (١٠) زيادةٌ: "كما أمركم اللَّهُ" بهذهِ الأمورِ فإنَّ أمرَ رسولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أمرٌ منهُ تعالَى: [{وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ
(١) ذكره الحافظ في "الفتح" (١٠/ ٤٨٢). (٢) ذكره الحافظ في "الفتح" (١٠/ ٤٨٢). (٣) ذكره الحافظ في "الفتح" (١٠/ ٤٨٣). (٤) في (ب): "يدبر". (٥) أخرجه البخاري رقم (٦٢٣٧)، ومسلم رقم (٢٥٦٠)، والترمذي رقم (١٩٣٢)، وأبو داود (٤٩١١)، ومالك في "الموطأ" (٢/ ٩٠٧)، وهو حديث صحيح. (٦) في (ب): "ما". (٧) في (أ): "النسيب". (٨) ذكره الحافظ في "الفتح" (١٠/ ٤٨٣). (٩) في (أ): "إخوان". (١٠) في "صحيحه" (٤/ ٩٨٦ رقم ( … ) / ٢٥٦٣).