(وعن جابرِ بن سمْرةَ قالَ: أُتِيَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم برجلٍ قَتَلَ نفسَه بمشاقصَ فلم يصلِّ عليهِ. رواهُ مسلمٌ). المشاقصُ جمعُ مشقصٍ، وهو نصلٌ عريضٌ.
قالَ الخطابي: وتركُ الصلاةِ عليهِ معناهُ العقوبةُ لهُ [وردعٌ](١) لغيرهِ عن مثلِ فعلهِ، وقدِ اختلفَ الناسُ في هذا. وكانَ عمرُ بنُ عبدِ العزيزِ لا يَرَى الصلاةَ على مَنْ قتلَ نفسَه، وكذلكَ قالَ الأوزاعيُّ. وقالَ أكثرُ الفقهاءِ: يصلَّى عليهِ، انتهَى. وقالُوا في هذا الحديثِ: إنهُ صلَّى عليهِ الصحابةُ، قالُوا: وهذا كما تركَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم الصلاةَ على مَنْ ماتَ وعليهِ دينٌ أولَ الأمرِ، وأمرَهمْ بالصلاةِ على صاحبهم (٢). قلت: إنْ ثبتَ نقلُ أنهُ أمرَ - صلى الله عليه وسلم - أصحابَهُ بالصلاةِ على [من قتل](٣) نفسهُ، تَمَّ هذا القولُ، وإلَّا فرأيُ عمرَ بن عبدِ العزيزِ أوفقُ بالحديثِ، إلَّا أن في روايةٍ للنسائيِّ (٤): "أما أنا فلا أصلِّي عليهِ"، فربما أخذَ منها أن غيرَه صلَّى عليهِ.
[الصلاة على قبر الميت بعد دفنه]
٢٣/ ٥٢٢ - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - فِي قِصَّةِ الْمَرْأَةِ الَّتِي كَانَتْ تَقُمُّ الْمَسْجِدَ، فَسأَلَ عَنْهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَقَالُوا: مَاتَتْ، فَقَالَ: أَفَلَا كُنْتُمْ آذَنْتُمُونِي؟ فَكَأَنَّهُمْ صَغَّرُوا أَمْرَهَا، فَقَالَ:"دُلُّوني عَلَى قَبْرِهَا" فَدَلُّوهُ، فَصَلَّى عَلَيْهَا، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (٥)، وَزَادَ مُسْلِمٌ (٦)، ثُمَّ قَالَ:"إِن هذِهِ الْقبُورَ مَمْلُوءَةٌ ظُلْمَةً عَلَى أَهْلِهَا، وَإِنَّ الله يُنَوِّرُهَا لَهُمْ بِصَلَاِتي عَلَيهِمْ". [صحيح]
(١) في (أ): "وردعًا". (٢) يشير المؤلف رحمه الله إلى الحديث الذي أخرجه البخاري (٥٣٧١)، ومسلم (١٤/ ١٦١٩). عن أبي هريرة رضي الله عنه: "أن رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كان يُؤتى بالرجل المتوفى عليه الدَّين، فيسألُ هل تركَ لدَيْنِهِ فضلًا؟ فإنْ حُدِّثَ أنه تركَ وفاءً صلّى، وإلّا قال للمسلمين: صلّوا على صاحبكم. فلما فتحَ اللَّهُ عليه الفتوحَ قال: أنا أولى بالمؤمنين من أنْفُسِهم، فمن تُوفّيَ من المؤمنين فترك دينًا فعليَّ قضاؤه، ومن تركَ مالًا فلوِرَثَتِهِ". (٣) في (ب): "قاتل". (٤) في "السنن" (٤/ ٦٦ رقم ١٩٦٤). (٥) البخاري (١٣٣٧)، ومسلم (٩٥٦). قلت: وأخرجه أبو داود (٣٢٠٣)، وابن ماجه (١٥٢٧)، وأحمد (٢/ ٣٥٣)، والبيهقي في "سننه" (٤/ ٤٧). (٦) في "صحيحه" (٢/ ٦٥٩ رقم ٧١/ ٩٥٦).