الخامسُ: ما شُكَّ في صِدْقِه وكذبِه وهوَ أيضًا محرَّمٌ. فتلخَّصَ أنهُ يحرمُ ما عدَا المعلومَ صدقُه. وقولُه: ما الكبائرُ؟ فيهِ دليلٌ على أنهُ قدْ كانَ معلومًا عندَ السائلِ أنّ في المعاصي كبائرُ وغيرُها. وقدِ اختلفَ العلماءُ في ذلكَ، فذهبَ إمامُ الحرمينِ وجماعةٌ منْ أئمةِ العلمِ إلى أن المعاصي كلَّها كبائرُ. وذهبَ الجماهيرُ إلى أنَّها تنقسمُ إلى كبائرَ وصغائرَ، واستدلُّوا بقولِه تعالَى:{إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ}(١)، وقوله تعالَى:{وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ}(٢).
قلتُ: ولا يخْفَى أنهُ لا دليلَ على [تسميةِ] شيءٍ منَ المعاصي صغائرَ، وهوَ محلُّ النزاعِ. وقيلَ: لا خلافَ في المعنَى، إنَّما الخلافُ لفظي لاتفاقَ الكلِّ علَى أن منَ المعاصي ما يقدحُ في العدالةِ، ومنْها ما لا يقدحُ فيها.
وقدْ تعرَّضَ الشارحُ (٣) - رحمه الله - إلى ما قالَهُ العلماءُ في تحديدِ [الكبيرةِ](٤)، وأطالَ نَقْلَ أقاويلِهم في ذلكَ، وهيَ أقوال مدخولةٌ. الحق أن الكِبَرَ والصِّغَرَ أمرٌ نِسْبي فلا يتمُّ الجزمُ بأنَّ هذا صغيرٌ وهذا كبيرٌ إلا بالرجوعِ إلى ما نصَّ الشارعُ على كِبَرِه، فما نصَّ على كبره فهوَ كبيرةٌ، وما عداهُ باقي على الإبهامِ والاحتمالِ.