٢/ ٩١٣ - وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه - أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - حَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، وَقَالَ:"لكِنِّي أَنا أُصلِّي وَأَنامُ، وَأَصُومُ وَأُفْطِرُ، وَأَتَزَوّجُ النِّسَاءَ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتي فَلَيسَ مِنِّي"، متَّفَقٌ عَلَيْهِ (١). [صحيح]
(وعنْ أنس بن مالكٍ - رضي الله عنه - أن النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - حَمِدَ الله وأثْنَى عليهِ وقالَ: لكنِّي أنا أصلِّي وأنام، وأصوم وأفطر، وأتزوج النِّساءَ، فمنْ رغبَ عنْ سُنَّتي فليسَ منِّي. متفقٌ عليه) هذا لفظ مسلم. وللحديثِ (٢) سببٌ وهوَ أنهُ قالَ أنسٌ: جاءَ ثلاثةُ رَهْطٍ إلى بيوتِ أزواجِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - يسألونَ عنْ عبادتِه - صلى الله عليه وسلم -، فلما أخْبِرُوا كأنَّهم تَقَالُّوها فقالُوا: وأينَ نحنُ منْ رسولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، قدْ غَفرَ اللَّهُ له ما تقدَّمَ منْ ذنبهِ وما تأخَّرَ، فقالَ أحدُهم: أما أنا فإني أصلِّي الليلَ أبدًا، وقالَ آخَرُ: وأنا أصومُ الدهرَ ولا أفطرُ، وقالَ آخرُ: وأنا أعتزلُ النساءَ فلا أتزوجُ. فجاءَ رسولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إليهم فقالَ:"أنتُم قُلْتُمْ كَذَا وكَذَا، أَمَا واللَّهِ إني [أخشاكم](٣) للَّهِ وأتقاكُم له، لكنِّي [أنا](٤) أصلِّي - الحديث". وهوَ دليلٌ على أن المشروعَ هوَ الاقتصادُ في العباداتِ دونَ الانهماكِ والإضرارِ بالنفسِ وهَجْرِ المألوفاتِ كلِّها، وأنَّ هذهِ الملَّةَ المحمديةَ مبنيةٌ شريعتُها على الاقتصادِ والتسهيلِ والتيسيرِ وعدمِ التعسيرِ:{يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ}(٥). قالَ الطبريُّ (٦): في الحديثِ الردُّ على مَنْ مَنَعَ استعمالَ الحلالِ منَ الطيباتِ مأكلًا ومَلْبَسًا. قالَ القاضي عياضُ (٦) رحمه اللهُ: هذا مما اختلفَ فيهِ السلفُ فمنْهم مَنْ ذهبَ إلى ما قالهُ الطبريُّ، ومنْهم مَنْ عكسَ، واستدلَّ بقولهِ تَعَالَى:{أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا}(٧)، قالَ: والحقُّ أن الآيةَ في الكفارِ.
وقدْ أخذَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - بالأمرينِ، والأَوْلَى التوسطُ في الأمورِ وعدمُ الإفراطِ في ملازمةِ الطيباتِ فإنهُ يُؤَدِّي إلى الترفُّهِ والبطرِ ولا يأمنُ منَ الوقوعِ في الشُّبُهاتِ،
(١) البخاري (٥٠٦٣)، ومسلم (١٤٠١). وأخرجه النسائي (٣٢١٧)، وأحمد (٣/ ٢٤١، ٢٥٩، ٢٨٥)، والبيهقي (٧/ ٧٧). (٢) انظر رواية البخاري (٥٠٦٣). (٣) في (ب): "لأخشاكم". (٤) زيادة من (ب). (٥) سورة البقرة: الآية ١٨٥. (٦) انظر: "فتح الباري" (٩/ ١٠٦). (٧) سورة الأحقاف: الآية ٢٠.