وأجيبَ بأنهُ يُحملُ الوجوبُ على تأكيدِ السنيَّةِ. وأما وقتهُ ففيهِ خلافٌ - أيضًا - فعندَ الهادويةِ أنهُ من فجرِ الجمعةِ إلى عصرِها. وعندَ غيرِهم أنهُ للصلاةِ فلا يشرعُ بعدَها، [وعلى الأول يشرع بعدها](١) ما لمْ يدخلْ وقتُ العصرِ، وحديثُ:"مَنْ أتى الجمعةَ فليغتسلْ"(٢) دليلٌ للثاني، وحديثُ عائشةَ هذا يناسبُ الأولَ.
أما الغسلُ مِنَ الحِجَامةِ فقيلَ: هوَ سنةٌ، وتقدمَ حديثُ أنسٍ (٣): "أنه - صلى الله عليه وسلم - احتجمَ وصلَّى ولم يتوضأْ"؛ فدلَّ على أنهُ سنةٌ يفعلُ تارة - كما أفادهُ حديثُ عائشةَ هذا - ويتركُ أخرى، كما في حديثِ أنسٍ، ويُروَى عنْ علي عليه السلام الغسلُ منَ الحجامةِ سنة وإن تطهرتَ أجزأكَ.
وأما الغسلُ من غَسْلِ الميتِ فتقدمَ الكلامُ فيهِ، وللعلماءِ فيه ثلاثةُ أقوالٍ: أنهُ سنةٌ، وهوَ أقربُها، وأنهُ واجبٌ، وأنَّهُ لا يستحبُّ.
[إيجاب غسل الكافر إذا أسلم]
٥/ ١٠٣ - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - في قِصَّةِ ثُمَامَةَ بن أُثَالٍ، عِنْدَمَا أَسْلَمَ وَأَمَرَهُ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - أنْ يَغْتَسِلَ. رَوَاهُ عَبْدُ الرّزَّاقَ (٤)، وَأَصْلُهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (٥). [صحيح]
(وعن أبي هريرةَ - رضي الله عنه -) أنهُ قالَ: (في قصةِ ثمامةَ) بضمِ المثلثةِ، وتخفيفِ الميمِ، (ابن أثالٍ) بضمِ الهمزةِ، فمثلثةٍ مفتوحةٍ، وهوَ الحنفيُّ سيدُ أهلِ اليمامةِ، (عندَما أسلمَ) أي: عندَ إسلامهِ (وأمرهَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - أنْ يغتسلَ. رواة عبدُ الرزاقِ)(٦).
(١) زيادة من (أ): وقال في الحاشية: وعند داود يستمر إلى غروب الشمس، ونصره ابن حزم وحقَّقنا ضعفه في حواشي "شرح العمدة". (٢) أخرجه البخاري (٢/ ٣٥٦ رقم ٨٧٧)، ومسلم (٢/ ٥٧٩ رقم ٨٤٤)، والترمذي (٢/ ٣٦٤ رقم ٤٩٢)، والنسائي (٣/ ٩٣ رقم ١٣٧٦)، ومالك (١/ ١٠٢ رقم ٥) من حديث ابن عمر - رضي الله عنه -. (٣) وهو حديث ضعيف، أخرجه الدارقطني (١/ ١٥١ رقم ٢) وفي سنده صالح بن مقاتل. قال عنه الدارقطني: يحدث عن أبيه ليس بالقوي. وقد تقدم. (٤) في "المصنف" (٦/ ٩ رقم ٩٨٣٤). (٥) عند الشيخين: البخاري (٨/ ٨٧ رقم ٤٣٧٢)، ومسلم (٣/ ١٣٨٦ رقم ٥٩/ ١٧٦٤). قلت: وأخرجه أبو داود (٣/ ١٢٩ رقم ٢٦٧٩)، وأحمد (٢/ ٢٤٦، ٤٥٢، ٤٨٣). (٦) انظر ترجمته في: "الكامل" لابن عدي (٥/ ١٩٤٨ - ١٩٥٢)، و"تهذيب التهذيب" =