(وعنْ رافعِ بن خُدَيْجٍ - رضي الله عنه - قَالَ: قالَ رسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: كَسْبُ الحجَّامِ خبيثٌ. رواهُ مسلمٌ). الخبيثُ ضدُّ الطَّيِّب، وهلْ يدلُّ على تحريمِه؟ الظاهرُ أنهُ لا يدلُّ له، فإنهُ تعالى قالَ:{وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ}(١) فسمَّى رذالَ المالِ خبيثًا ولم يحرِّمْه. وأما حديثُ (٢): من السُّحْتِ كَسْبُ الحجَّامِ" فقدْ فسَّره هذا الحديثُ، وأنهُ أُرِيدَ بالسُّحتِ عدمُ الطِّيبِ. وأَيَّدَ ذلكَ إعطاؤهُ - صلى الله عليه وسلم - الحجَّامَ أُجْرَتَهُ. قالَ ابنُ العربيِّ (٣): يُجْمَعُ بينَه وبينَ إعطائِه - صلى الله عليه وسلم - الحجَّامَ أُجْرَتَه بأنَّ محلَّ الجوازِ ما إذا كانتِ الأجرةُ على عملٍ، ومحلُّ الزَّجْرِ ما إذا كانت [الأجرةِ](٤) على عملٍ مجهولٍ.
قلتُ: هذا بناءً على أن ما يأخذُه حرامٌ. وقالَ ابنُ الجوزي رحمه الله: إنَّما كُرِهَتْ لأنها منَ الأشياءِ التي تجبُ على المسلمِ للمسلمِ إعانتُه بهِ عندَ [الحاجة](٥)، فما كان ينبغي له أنْ يأخذَ على ذلكَ أَجْرًا.
شدة جُرم من ذكر في الحديث
٦/ ٨٦٠ - وَعَنْ أَبي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: ثَلَاثةٌ أَنَا خَصْمُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: رَجُلٌ أَعْطَى بِي ثُمّ غَدَرَ، وَرَجُلٌ بَاعَ حُرًا فَأكَلَ ثَمَنَهُ، وَرَجُلْ اسْتَأجَرَ أَجِيرًا، فَاسْتَوْفَى مِنْهُ وَلَمْ يُعْطِهِ أَجْرَهُ"، رَوَاهُ مُسْلِمٌ (٦). [صحيح]
= والطحاوي في "شرح المعاني" (٤/ ١٢٩)، والبيهقي (٦/ ٦). (١) سورة البقرة: الآية ٢٦٧. (٢) أخرجه الطحاوي في "شرح معاني الآثار" (٤/ ١٢٩)، والخطيب في "تاريخ بغداد" (١/ ٣٣٩) وأحمد (٢/ ٢٩٩، ٣٣٢، ٣٤٧، ٤١٥، ٥٠٠)، والحازمي في "الاعتبار" (ص ١٧٦)، وابن حبان (ص ٢٧٣ رقم ١١١٨ - الموارد)، والبيهقي (٦/ ٦) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - مرفوعًا. وقد صحَّحه الشيخ شعيب الأرنؤوط في "الإحسان" (١١/ ٣١٥ رقم ٤٩٤١). (٣) نحوه في "عارضة الأحوذي" (٥/ ٢٧٧). (٤) زيادة من (ب). (٥) في (ب): "الاحتياج". (٦) لم أجده في "صحيح مسلم"، وهو في "صحيح البخاري" (٢٢٧٠). وأخرجه ابن ماجه (٢٤٤٢)، وأحمد (٢/ ٣٥٨)، وابن الجارود (٢/ ١٦٧ رقم ٥٧٩)، والبيهقي (٦/ ١٢١).