المصنفِ [قولُه](١) عنْ أبيه. والحديثُ دليل على تقريرِ ما جُبِلَتْ عليهِ الطبائعُ منْ طلبِ المكاسبِ، وإنمَّا سُئِلَ - صلى الله عليه وسلم - عنْ أطيبها أي أحلِّها وأبركِها. وتقديمُ عملِ اليدِ على البيعِ المبرورِ دالٌ على أنهُ الأفضلُ، ويدلُّ لهُ [أيضًا](٢) حديثُ البخاريِّ الآتي، ودلَّ على أطيبيةِ التجارةِ الموصوفةِ. وللعلماءِ خلافٌ في [أفضل](٣) المكاسبِ.
قالَ الماورديُّ (٤): أصولُ المكاسبِ الزراعةُ والتجارةُ والصنعةُ، قالَ: والأشبهُ بمذهبِ الشافعيِّ أن أطيبَهَا التجارةُ. قالَ: والأرجحُ عندي أن أطْيَبَها الزراعةُ، لأنهَا أَقربُ إلى التوكلِ، وتعقِّبَ بما أخرجَهُ البخاريُّ (٥) مِنْ حديثِ المقدامِ مرفوعًا: (ما أكلَ أحدٌ طعامًا خيرًا منْ أنْ يأكلَ منْ عملِ يدهِ، وإنَّ نبيَّ اللَّهِ داودَ كانَ يأكلُ من عملِ يدهِ)، قال النوويُّ (٦): والصواب أن أطيبَ المكاسبِ ما كانَ بعملِ اليدِ، وإنْ كانَ زراعةً فهوَ أطيبُ المكاسبِ لما يشتملُ عليهِ منْ كونهِ عملَ اليد، [ولما فيهِ منَ التوكلِ](٧)، ولما فيهِ من النفعِ العامِّ للآدمِيِّ وللدوابِّ [وللطير](٨).
قالَ الحافظُ ابنُ حجرٍ - رحمه الله - (٩): وفوقَ ذلكَ ما يكسبُ منْ أموالِ الكفارِ بالجهادِ وهوَ مكسبُ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - وهوَ أشرفُ المكاسبِ لما فيهِ منْ إعلاءِ كلمةِ اللَّهِ تعالى وحده، انتَهى. قيلَ: وهوَ داخلٌ في كسبِ اليدِ.
حكم بيع المحرَّمات
٢/ ٧٣٧ - وعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ - رضي الله عنهما - أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ عَامَ الْفَتْحِ وَهُوَ بِمَكَّةَ:(إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ بَيْعَ الْخَمْرِ، وَالْمَيتَةِ، وَالْخِنْزِيرِ، وَالأَصْنَامِ)، فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرَأَيْتَ شُحَومَ الْمَيْتَةِ، فَإِنَّهَا تُطْلَى بِهَا السُّفُنُ، وَتُدْهَنُ بِهَا الْجُلُودُ، وَيَسْتَصْبِحُ بِهَا النَّاسُ؟ فَقَالَ:(لا، هُوَ حَرَامٌ)، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -
(١) زيادة من (ب). (٢) زيادة من (أ). (٣) في (أ): (أطيب). (٤) نقل ذلك عنه النووي في المجموع (٩/ ٥٩). (٥) في (صحيحه) (٢٠٧٢)، والبيهقي (٦/ ١٢٧)، والبغوي (٨/ ٥) رقم (٢٠٢٦). (٦) في (المجموع) (٩/ ٥٩) وفي نقل الصنعاني تصرف. (٧) زيادة من (أ). (٨) في (ب): (والطير). (٩) في (فتح الباري) (٤/ ٣٠٤).