واشترطَ مالكٌ أنْ يكونَ قدْ أُشعرَ لما رواهُ أحمدُ بنُ عصامٍ عنْ مالكٍ عنْ نافعٍ عن ابن عمرَ مرفُوعًا:"إذا أشعرَ الجنينُ فذكاتُه ذكاةُ أمهِ" لكنهُ قالَ الخطيبُ: تفردَ بهِ أحمدُ بنُ عصامٍ وهوَ ضعيفٌ (١) وهوَ في "الموطأ"(٢) موقوفٌ على ابن عمرَ وهوَ أصحُّ، [وقد](٣) عُورِضَ بما رواهُ ابنُ المباركِ عن ابن أبي ليلَى قالَ: قالَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "ذكاةُ الجنينِ ذكاةُ أمهِ أشْعرَ أو لم يشعِرْ" وفيهِ ضعفٌ لسوءِ حفظِ ابن أبي ليلَى (٤)، ولكنهُ أخرجَ البيهقي (٥) منْ حديثِ ابن عمرَ عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - أنهُ قالَ:"ذكاةُ الجنينِ ذكاةُ أمهِ أشْعرَ أوْ لم يُشْعرْ"، رُوِيَ منْ أوجُهٍ عن ابن عمرَ مرفُوعًا، قالَ البيهقيُّ (٦): ورفْعُهُ عنهُ ضعيفٌ والصحيحُ أنهُ موقوفٌ.
قلت: والموقوفانِ عنهُ قدْ صحَّا وتعارضَا فيطرحانِ ويرجعُ إلى إطلاقِ حديثِ البابِ وما في معناهُ، وذهبَ الهادويةُ والحنفيةُ إلى أن الجنينَ إذا خرجَ ميْتًا منْ المذكاةِ فإنهُ ميتةٌ لعمومِ:{حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ المَيْتَةُ}(٧)، وكذا لو خرجَ حيًّا ثمَّ ماتَ وإليهِ ذهبَ ابنُ حزمٍ (٨)، وأجابُوا عن الحديثِ بأنَّ معناهُ ذكاةُ الجنينِ إذا خرجَ حيًّا نحو ذكاةِ أمهِ، قالهُ [الإمام المهدي](٩) في "البحرِ"(١٠).
قلت: ولا يخْفَى أنهُ إلغاءٌ للحديثِ عن الإفادةِ، فإنهُ معلومٌ أن ذكاةَ الحيِّ منَ الأنعامِ ذكاةٌ واحدةٌ منْ جنينٍ وغيرِه، كيفَ وروايةُ البيهقيِّ بلفظِ: ذكاةِ الجنينِ في ذكاةِ أمهِ، فهيَ مفسِّرةٌ لروايةِ: ذكاةِ أمهِ، وفي أُخْرَى: بذكاةِ أمهِ (١١).
(١) قاله الدارقطني في "الضعفاء والمتروكين" رقم (٤٢). وانظر: "الميزان" (١/ ١١٩)، و "اللسان" (١/ ٢٢٠)، و "المغني" (١/ ٤٧). (٢) (٢/ ٤٩٠ رقم ٨). (٣) زيادة من (أ). (٤) قال ابن حجر في "التقريب" (١/ ٤٩٦ رقم ١٠٩٤): ثقة، من الثانية، اختلف في سماعه من عمر. (٥) في "السنن الكبرى" (٩/ ٣٣٥ - ٣٣٦). (٦) في "السنن الكبرى" (٩/ ٣٣٦). (٧) سورة المائدة: الآية ٣. (٨) انظر: "المحلى" (٧/ ٤١٩ - ٤٢١ رقم ١٠١٤). (٩) زيادة من (أ). (١٠) (٤/ ٣٠١). (١١) انظر: "البدائع" (٥/ ٤٢)، "القوانين الفقهية" (ص ١٨٣)، "مغني المحتاج" (٤/ ٥٧٩، ٣٠٦)، والمغني (٨/ ٥٧٩)، والفقه الإسلامي وأدلته (٣/ ٦٦٧ - ٦٦٩).