للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشبلي عجبا. فلما دخل وقعد قال له أبو بكر بن مجاهد: يا أبا بكر، أخبرت أنك تحرق الثياب والخبز والأطعمة وما ينتفع به الناس من منافعهم ومصالحهم، أين هذا من العلم والشرع؟ فقال له: قول الله: ﴿(فطفق مسحا بالسوق والأعناق)﴾ أين هذا من العلم؟ فسكت أبو بكر بن مجاهد وقال لعلى: كأنى لم أقرأها قط وبلغني عن غيره أنهم عاتبوه في مثله فتلا هذه الآية: ﴿(إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم)﴾ وتلا ﴿(إنني براء مما تعبدون)﴾ هذه الأطعمة وهذه الشهوات حقيقة الخلق ومعبودهم، أبرأ منهم وأحرقه.

• سمعت أحمد بن محمد بن مقسم يقول سمعت أبا بكر الشبلي يقول: نظرت في ذل كل ذي ذل فزاد ذلي عليهم، ونظرت في عز كل ذي عز فزاد عزي عليهم، فإذا عزهم ذل في عزي وتلا فى أثره: ﴿(من كان يريد العزة فلله العزة جميعا)﴾ وكان يقول: من اعتز بذي العز فذو العز له عز. وقال:

أظلت علينا منك يوما غمامة … أضاء لها برق وأبطأ رشاشها

فلا غيمها يجلو فييأس طامع … ولا غيثها يأتي فيروى عطاشها

فقال له رجل: يا أبا بكر أخبرني عن توحيد مجرد بلسان حق مفرد. فقال:

ويحك من أجاب عن التوحيد بالعبارة فهو ملحد، ومن أشار إليه فهو ثنوي، ومن أومأ إليه فهو عابد وثن، ومن نطق فيه فهو غافل، ومن سكت عنه فهو جاهل، ومن أري أنه عتيد فهو بعيد، ومن تواجد فهو فاقد. وسأله رجل عن مقام التوبة فقال له: يطرق سمعي من كتاب الله ما يحدوني على ترك الأشياء والإعراض عن الدنيا، ثم أرد إلى نفسي وإلى أحوالي وإلى الناس، ثم لا ألقى على هذا ولا على هذا، وأرجع إلى الوطن الأول مما كنت عليه من سماعي القرآن. فقال له: يقول الله: ما طرق سمعك من القرآن فاجتذبك به إلي فهو عطف مني عليك، ولطف مني بك، وما أردك به إلى نفسك فهو شفقة مني لك، لأنك لم يصح لك التبرؤ من الحول والقوة في التوجه إلي. وسئل عن حقيقة الذكر فقال: نسيان القوى. وسئل عن التوكل فقال: أن يحملك فيما حملك.

وسئل عن الخوف فقال: أن تخاف أن يسلمك إليك. وسئل عن الرجاء فقال:

<<  <  ج: ص:  >  >>