للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بالطعام وهو مولد للأعراض. وقوت بالذكر فهذا يشممهم الصفات، وقوت برؤية المذكور وهو الذي يفنى ويبيد. قال ثم أنشد يقول:

إذا كنت قوت النفس ثم هجرتها … فلم تلبث النفس التي أنت قوتها.

• أخبرنا محمد بن أحمد المفيد - في كتابه - وحدثنا عنه عثمان بن محمد قبل أن لقيته ثنا عبد الصمد بن محمد الجبلي قال: كتب الجنيد إلى أبي إسحاق المارستاني: يا أخي كيف أنت في ترك مواصلة من عرضك للتقصير، ودعاك إلى النقص والفتور، وكيف ينبغي أن تكون مباينتك له وهجرانك، وكيف إعراض سرك ونبو قلبك وعزوف ضميرك عنه، حقيق عليك على ما وهبه الله لك وخصك به من العلم الجليل والمنزل الشريف أن تكون عن المقبلين على الدنيا معرضا، وأن تكون لهم بسرك وجهرك قاليا. وأن تكون لهم في بلائهم إلى الله شافعا. فذلك بعض حقك لك. وحري بك أن تكون للمذنبين ذائدا، وأن تكون لهم بفهم الخطاب إلى الله رائدا، وفي استنقاذهم وافدا، فتلك حقائق العلماء وأماكن الحكماء، وأحب الخلق إلى الله أنفعهم لعياله، وأعمهم نفعا لجملة خلقه. جعلنا الله وإياك من أخص من أخلصه بالاخلاص إليه، وأقربتهم في محل الزلفى لديه، أيحسن بالعاقل اللبيب والفهم الأديب الطالب المطلوب المحب المحبوب المكلأ المعلم، المزلف المقرب، المجالس المؤانس أن يعير الدنيا طرفه، أو يوافقها بلحظه؟ وقد سمع سيده ومولاه وهو يقول لأجل أصفيائه وسيد رسله وأنبيائه ﴿(ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم زهرة الحياة الدنيا لنفتنهم فيه)﴾؟ الآية، أفشاهد أنت لفهم الخطاب وإمكان رد الجواب، فترك حظه من الله مما فاته ومصافاته ومكافأته ومكانه منه وموالاته أن يواد من لا يواده أو يألف من لا يوافقه.

غض يا أخي بصر سرك وبصيرة قلبك عن الإيماء إلى النظر إليهم دون المواصلة لهم، وصن بالمضمون من ضميرك عن أن تكون لك بالقوم مؤالفة، فو الله لا والى الله من يحاده ولا أقبل على من يبغضه، ولا عظم من يعظم ما صغره وقلله إلا أن ينزع عن ذلك، فكن من ذلك على يقين وكن لأماكن من أعرض عن

<<  <  ج: ص:  >  >>