النفوس ربما خبت فيها منها أشياء لا يقف على حد ذلك إلا من تصفح ما هنالك في حين حركة الهوى في محبة فعل الخير المألوف، فإن النفس إذا ألفت فعل الخير صار خلقا من أخلاقها، وسكنت إلى أنها موضع لما أهلت له، وترى أن الذي جرى عليها من فعل ذلك الخير فيها هي له أهل، ويرصدها العدو المقيم بفنائها المجعول له السبيل على مجاري الدم فيها، فيرى هو بكيده خفي غفلتها، فيختلس منها بمساءلة الهوى ما لا يمكنه الوصول إلى اختلاسه في غير تلك الحال، فإن تألم لوكزته منه وعرف طعنته أسرع بالأمانة إلى من لا تقع الكفاية منه إلا به، فاستقصى من نفسه علم الحال التي منها وصل عدوه إليه فحرسها بلياذة اللجأ وإلقاء الكنف وشدة الافتقار وطلب الاعتصام كما قال النبى بن النبى بن النبى الكريم بن الكريم بن الكريم كذا قال النبي ﷺ:«الكريم بن الكريم بن الكريم يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم خليل الرحمن ﵈». ﴿(وإلا تصرف عني كيدهن أصب إليهن وأكن من الجاهلين)﴾ وعلم يوسف ﵇ أن كيد الأعداء مع قوة الهوى لا ينصرف بقوة النفس ﴿(فاستجاب له ربه فصرف عنه كيدهن إنه هو السميع العليم)﴾ وأما الموطن الذي يستحضر فيه عقله لرؤية مجاري الأحكام وكيف يقلبه التدبير، فهو أفضل الأماكن وأعلى المواطن، فإن الله أمر جميع خلقه أن يواصلوا عبادته ولا يسأموا خدمته. فقال ﴿(وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون)﴾. فألزمهم دوام عبادته وضمن لهم عليها في العاجل الكفاية، وفي الأخرى جزيل الثواب. فقال ﴿(يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم وافعلوا الخير لعلكم تفلحون)﴾ وهذه كلها تلزم كل الخلق. ووقف ليرى كيف تصرف الأحكام وقد عرض لرفيع العلم والمعرفة ألا يعلم أنه قال ﴿(كل يوم هو في شأن)﴾ - يعني شأن الخلق -. وأنت أيها الواقف أترى أنك من الخلق الذي هو في شأنهم أو ترى شأنك مرضيا عنده؟ ولن يقدر أحد على استحضار عقله إلا بانصراف الدنيا وما فيها عنه، وخروجها من قلبه، فإذا انقضت الدنيا وبادت وباد أهلها وانصرفت عن القلب خلا بمسامرة