عليه وسلم في زمانه دعا إلى الزهد في فضول الدنيا والتهاون بها، ومن معه من العلماء كانوا يحذرون حلال الدنيا ويشفقون منها أشد من حذر الجهال من حرامها لأنه لا يسلم من الدنيا من ينالها، ولا يسلم من شرها من أحبها وأمن مكرها، هي حتف أهلها دون الحتف، واعلم أن العالم بالله الخائف من الله يهدم بحق الله باطل أهل الرغبة في الدنيا، وأن العالم المغتر يطفئ نور الحق بظلمة الباطل واعلم أن الله إذا أراد أن يغني فقيرا أو يفقر غنيا أو يرفع وضيعا أو يضع رفيعا فعل ما أراد من ذلك، فلا تغالب الله على أمره، ولا تلتمس شيئا من ذلك بغير طاعة الله، فان الذين التمسوا الأمور بغير طاعة الله خسروا خسرانا مبينا، فيما أصابوا بما طالبوا، وفيما أخطأهم مما أرادوا، فانظر إذا كنت إماما أي إمام تكون، فربما بحت الأمة بالإمام الواحد، وربما هلكت بالإمام الواحد، وإنما هما إمامان إمام هدى قال الله ﷿: ﴿(وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا)﴾ يعني على الدنيا. وإنما صاروا أئمة حين صبروا عن الدنيا، ولا يكون إمام هدى حجة لأهل الباطل فإنه قال: ﴿(يهدون بأمرنا)﴾ لا بأمر أنفسهم، ولا بأمور الناس، فقال: ﴿(وأوحينا إليهم فعل الخيرات وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وكانوا لنا عابدين)﴾ فهذا إمام هدى فهو ومن أجابه شريكان. وإمام آخر قال الله تعالى: ﴿(وجعلناهم أئمة يدعون إلى النار)﴾ ولا تجد أحدا يدعو إلى النار ولكن الدعاة إلى معصية الله، فهذان إمامان هما مثل من الذين خلوا من قبلكم وموعظة للمتقين. واعلم أن باب الآخرة مفتوح فادخله تصل إلى رحمة الله، ولتكن فى كنف الله وحفظه وولايته وستره وأجره ورزقه وكفايته، فإن الله لا يخلف الميعاد، واعلم أنه ليس بين الله وبين العباد وسيلة إلا طاعته، فإنها وسيلة العباد إليه فلا تتوسلوا إلى الله بغير الوسيلة التي جعلها الله سبيلا وسببا إليه، فإن ديان الدين إنما يدين العباد غدا بأعمالهم، ولا يدينهم بمنازلهم في الدنيا. واعلم أنك قد كفيت مئونة من بعدك فلا تتكلف مئونة من قد كفيت بإفساد نفسك، واعلم أن الناس قبلك قد جمعوا لأولادهم فلم يبق ما جمعوا لهم ولا من جمعوا له. واعلم