نظر يحيى بن معاذ إلى طاقات ريحان وضعها بعض الصبيان في حجرته وقد ذبلت فأتى بالماء يسقيها فقال له ما تصنع؟ قال رأيت هذا الريحان ذا بلا قد جففوه بترك سقيه فاعتصر به قلبي فسقيته لأنه هاجت لي فيه عبرة وكأني رأيته يستسقيني بذبوله خاضعا. وكان أبوه وأخوه يدعوانه إلى طلب الدنيا فأنشأ أخوه يقول:
أترحم أغصنا ذبلت ولانت … ولا ترحم أخاك إذا دعاك
فقال يحيى مجيبا له:
رأيت أخي يريد هلاك نفسي … ونفسي لا تريد له هلاكا
قال وسمعت يحيى بن معاذ يقول وأنشدنا.
أموت بدائي لا أصيب دوائيا … ولا فرجا مما أرى من بلائيا
إذا كان داء العبد حب مليكه … فمن دونه يرجو طبيبا مداويا
قال وأنشدنا يحيى ﵀:
رضيت بسيدي عوضا وأنسا … من الأشياء لا أبغى سواه
فيا شوقا إلى ملك يراني … على ما كنت فيه ولا أراه
خلا يستمطر النجم العطايا … فيعطى منه أكثر ما رجاه
وأنشدنا أيضا.
أنا إن تبت مناني … وإن أذنبت رجاني
وإن أدبرت نادانى … وإن أقبلت أدنانى
وإن أحببت والانى … وإن أخلصت ناجانى
وان قصرت عافانى … وإن أحسنت جازانى
حبيبى أنت رحمانى … اصرف عنى أحزانى
إليك الشوق من قلبي … على سري وإعلاني
فيا أكرم من يرجى … ويا قديم إحسانى
ما كنت على هذا … إله الناس تنسانى
لدى الدنيا وفي العقبى … على ما كان من شانى