للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المعقود، وفضيلة الإلهام في الملكوت ودلالة العلم، ومساعدة التوفيق، وعناية العبد بنفسه، والتدبير للاختبار، والفكر في الاعتبار، وطن الأذكار وغائص الفهم. ونفاذ معرفة الإلهام في الملكوت لما دل عليه التنزيل قوله تعالى ﴿(أولم ينظروا في ملكوت السماوات والأرض وما خلق الله من شيء)﴾ ففيما ذكرنا آيات للموقنين من العقلاء، فقد ندب الله تعالى أولي الألباب للتدبير والاعتبار بما ظهر من شواهد آثار قدرته ليستدلوا به على ربوبيته وخالص توحيده ولطف صنعه، بأنه بارئ البرايا. وأما ما ندب إليه من الفكر من بعد قوله تعالى: ﴿(وفي الأرض آيات للموقنين)﴾ قال: ﴿(وفي أنفسكم أفلا تبصرون)﴾. فالأحوال ثلاثة: حالة محمودة، وحالتان مذمومتان. الحالة المحمودة ما دخل إليه اللطف ودلك عليه العقل والعلم. والحالتان المذمومتان الغفلة والأمن. والحواس خمس وسادسها الملك وهو القلب. فالحواس المؤدية للأخبار، فعلى قدر ما أدت الحواس من الأخبار يكون تدبير الملك ومن خاف ضرر أحوال الغفلة من قلبه أكثر التفقد من قلبه، ومن عرض أحواله على عقله لم تكذبه صحة النظر، ومن قدم النظر أمام البصر أفاده النظر بصرا. قلت: وما معنى النظر؟ قال: تدبر الخير إذا ورد، ومعرفته إذا صدر. قلت: فإذا أفاده النظر بصرا يكون ماذا؟ قال: يصبح بالنظر بصيرا فيوضح له البصر اليقين بمحمود العواقب، فيحتمل لذلك مئونة العمل قبل ابتغاء الثواب. وعلى العاقل أن يوقف نفسه على ما يؤمل، ويستجرها في يومها ويبصرها ما يرتجيه في غده. فعند ذلك تلقي إليه نفسه معاذير العجز عند ما صدقها العبد. فالحليم لا يخدع والعاقل لا يغش نفسه ومن فكر ألهم، ومن ألهم استحكم الأمور والعقل، وفي العناية هم، وفي الفرح تحصيل الأعمال وسرور الأبرار، ولكل شر مظان يعقب فيه السرور عنده أو الهموم، بإغفال الحذر تصاب المقاتل، ومن أمكن عدوه بسلاح نفسه قتل، ففطرت النفوس على قبول الحق فعارضها الهوى فاستمالها فآثرت الحق بالدعوى وآثرت اعمالها بالهوى. لا يستحق المأمول بالشك. وإنما يوصل إلى فهم المعرفة أجناسها، كما

<<  <  ج: ص:  >  >>